مخطط الموضوع

  • المحاضرة الأولى: ماهية تحليل الفرد



    تمهيد:

    يعد مدخل تحليل الفرد أحد أهم أسس المدخل التحليلي للوظائف والمهن في علم النفس العمل والتنظيم، والذي يُعني بدراسة الفرد دراسة شاملة ومعرفة ما لديه من استعدادات وقدرات ليكمل ما تم تناوله في تحليل العمل.. بغية تحديد المنصب الوظيفي أو المجال المهني الأوفق له والجدير بأن يلتحق به.

    أولا. مفهوم تحليل الفرد:

    بداية تجدر الاشارة إلى أن مصطلح "تحليل الفرد" يختلف عن "التحليل النفسي للفرد" (Psychoanalysis)، الذي يقصد به قيام المحلل النفسي بتشخيص وعلاج اضطراب عند الفرد، مستخدما في ذلك منهج التحليل النفسي وطريقته الخاصة في البحث والتشخيص والعلاج.

    وعليه، فقد تم تناول هذا المصطلح من خلال عدة اتجاهات نذكر من بينها –على سبيل الذكر لا الحصر- ما يلي:

    -      من منظور العمليات:

    يطلق اصطلاح "تحليل الفرد" على: "الدراسة التحليلية للفرد المعني في عمليات الاختيار أو التوجيه أو التصنيف أو النقل أو التأهيل".

    -      من منظور الاستعدادات والقدرات، المهارات:

    يقصد بتحليل الفرد من منظور الاستعدادات والقدرات هو دراسته: " من حيث قدرات العامل واستعداداته المختلفة ونوعها والميول المهنية ومهارات النفس الحركية التي تهدف إلى قياس السرعة والتناسق والتآزر الحركي، وغيرها من خصائص الاستجابات الحركية، ويهتم معظمها بقياس المهارة اليدوية بالاضافة إلى حركات الساقين أو القدمين التي قد تكون مطلوبة في بعض المهن. كما تهتم دراسات تحليل الفرد إلى إلقاء الضوء على الجوانب العقلية المعرفية (الذكاء) بالاضافة إلى الاهتمام بدراسة شخصية العامل والعوامل المؤثرة في هذه الشخصية بقصد التعرف على مكونات الشخصية وسماتها المتطلبة للأعمال المختلفة".

    كما ويحدد مستوى تحليل الفرد: "التعرف على نوع المهارات والمعلومات والاتجاهات السلوكية الشخصية التي تلزم شاغل الوظيفة لكي يطور أدائه ويرفع من انتاجيته".

    -      من منظور الأداء:

    يعرف تحليل الفرد أو المورد البشري من هذا المنظور بأنه: "قياس أدائه في الوظيفة الحالية وقدراته في المستقبل وتحديد المهارات والمعارف والاتجاهات والأفكار التي تلزمه لأداء وظيفته الحالية وأداء وظائف أخرى مستقبلية وهو يتضمن مواصفات تحليل الفرد للوظيفة التي تشمل الحقائق والبيانات التي تتعلق بالمؤهلات العلمية لشاغل العمل وخبراته وقدراته الخاصة وتدريب وغير ذلك. ويتمثل هذا النوع من التحليل في المبادرة والإبداع والاجتهاد والتقدير والمقدرة على التحليل والنباهة الذهنية والنضوج والاندفاع".

    ثانياً. خصائص تحليل الفرد:

    من أهم الخصائص التي تخضع للقياس والتقدير في عملية تحليل الفرد ما يلي:

    - الخصائص الجسمية: كالمظهر الخارجي، والصحة العامة، الطول، الوزن، جوانب العجز الجسمية المختلفة (كفقد الأطراف أو الذراعين...الخ)، الاضطرابات أو الأمراض الجسمية المختلفة (كالضغط والسكري...الخ).

    - الخصائص العقلية: كالذكاء والذاكرة والاستعداد أو القدرة الميكانيكية أو القدرة الحسابية أو القدرة اللغوية أو الاستعداد الفني...الخ.

    - المهارات الحسية والحركية: كمهارة الأصابع، والتآزر بين العين واليد والقدم، وزمن الرجع، وحدة الابصار، وحدة السمع، قوة حاسة اللمس...الخ.

    - الخصائص الانفعالية: كالانبساط والانطواء، المثابرة، تحمل المسؤولية، الاتجاهات العصابية، الاتجاهات الاضطهادية، الميول الودية أو العدوانية، والاتجاهات الاكتئابية، مستوى النضج الانفعالي، الميول والتفضيلات المهنية...الخ.

    - الخلفية التحصيلية والمعرفية: كالمؤهل الحاصل عليه الفرد ونوع التدريب استكمله، ونوع الخبرة أو الخبرات التي حصلها من التحاقه بأعمال سابقة...الخ.

    ثالثاً. مكونات تحليل الفرد:

    يرى كل من جون وارنر وراندي سايمون بأن التحليل الفعال للفرد يتكون من مكونين أساسيين:

    أ. ملخص تحليل الفرد: ينطوي على تحديد مدى النجاح الكلي للموظف في الأداء الوظيفي.

    ب. تشخيص تحليل الفرد: الذي ينطوي على اكتشاف الأسباب الكامنة وراء أداء الموظف.

    ويمكن من خلال ملخص الفرد وعملية التشخيص معا تحديد هوية الأشخاص الناجحين والفاشلين، ومعرفة سبب ذلك النجاح أو الفشل، وهو ما يطلق عليه تحليل الفرد.

    والجدول التالي يلخص هذين المكونين:

    الجدول رقم (01): مكونات تحليل الفرد

    ملخص تحليل الفرد

    هو تحليل شامل، أي تقييم كلي لأداء أحد الموظفين، وتصنيف ذلك الموظف بحسب أدائه: ناجح، أو غير ناجح.

    تشخيص تحليل الفرد

    يحدد هذا التحليل سبب حدوث سلوك الموظف، ويحدد كيفية اجتماع معارف الموظف، ومهاراته، وقدراته، وجهده، والعوامل البيئية لتنتج ملخص تحليل الفرد.

    المصدر: جون وارنر، راندي دي سايمون، مرجع سابق، ص163، بتصرف.

    رابعا. طرق ووسائل تحليل الفرد:

    من أهم الطرق التي يمكن استخدامها في تحليل الفرد هي:

    -      البيانات: ونذكر منها: طلبات العمل، بيانات تقييم الأداء،

    -      المقابلة: ونقصد بذلك المقابلة بأنواعها: مقابلة العمل، المقابلة النفسية، ومقابلة التوجيه والارشاد.

    -      الاستبيانات

    -       الاختبارات: ونذكر منها: اختبارات العمل (الموقفية)، الاختبارات النفسية (الاسقاطية والموضوعية)...الخ.

    أما من أهم الأعضاء الذين يشرفون على عملية تحليل الفرد، فنذكر منهم:

    -       الأخصائي النفسي (بتخصصيه العمل والتنظيم، العيادي)

    -       موظف إدارة الموارد البشرية

    -       الرئيس المشرف على الفرد (في حالة التوظيف)

    -       أعضاء خلايا الجودة

    -       لجان تقييم الأداء...الخ.

    والجدول التالي يوضح بشكل موجز محتوى تطبيق كل طريقة في عملية تحليل الفرد:


    الجدول رقم (02): بعض طرق وأساليب قياس تحليل الفرد

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     


    المصدر: جون وارنر، راندي دي سايمون، مرجع سابق، ص161-163.

    خامساً. أهداف تحليل الفرد:

    يهدف تحليل الفرد إلى التوصل إلى ما يتمتع به الفرد من قدرات ومهارات واستعدادات وميول حتى يمكن إجراء عملية الانتقاء المهني أو توجيه الفرد للمهن التي تتناسب وهذه القدرات؛ أي أن عملية تحليل الفرد بحسب كامل عويضة تهدف إلى:

    1. تحديد ما عند الفرد أو ما يمتلكه الفرد من قدرات عقلية ومهارات نفس-حركية وسمات شخصية وما لديه من استعدادات وميول وغيرها، والتوصل بذلك إلى بروفيل واضح للفرد.

    2. الاختيار المهني لأنسب الأفراد الذين يصلحون للعمل المطلوب شغله من خلال مواءمة بروفيل الفرد بالبروفيل المتطلب لهذا العمل.

    3. التوجيه المهني للأفراد لأنسب المهن والأعمال والتي تتناسب وما لديهم من قدرات ومهارات.

    4. تساهم عملية تحليل الفرد في وضع العامل المناسب في المكان أو العمل المناسب له مما يستتبع حدوث التوافق المهني والرضا عن العمل.

    5. بتطبيق ما تهدف إليه عملية تحليل الفرد وما يتحقق من توافق الفرد في عمله يتبع ذلك زيادة الانتاج وجودته والتقليل من حوادث.

     

    سادساً. أهمية تحليل الفرد:

    تجدر الاشارة إلى أن أهمية تحليل الفرد تتمثل في:

    -       تحليل أداء الموظفين الأكثر فاعلية، يعد مصدرا للعديد من الأفكار حول كيفية تطوير أداء باقي الموظفين.

     تحليل الفرد الأقل فاعلية فيعرفنا بالوسائل التي نحتاجها لتطوير الأداء (سواء أكان ذلك من خلال وسائل تنمية الموارد البشرية أم غيرها..).


    • المحاضرة الثانية: الاستعدادات والقدرات





      1. مفهوم الاستعدادات والقدرات:

      أ. تعريف الاستعداد (Aptitude): هو القدرة الكامنة لدى الفرد على أن يتعلم في سرعة وسهولة، وأن يصل إلى مستوى عال من المهارة في مجال معين كالموسيقى أو الأدب أو الرياضيات.

      ومن خصائصه التي تميزه:

      -       أثر العوامل الوراثية في الاستعدادات يعتبر أهم من أثر عوامل البيئة.

      -       الاستعداد قد يكون عاما أو خاصا.

      -       الاستعداد قد يكون بسيطا من الناحية السيكولوجية كقدرة الأفراد على التمييز بين الأصوات الخافتة، وقد يكون مركبا من عدة قدرات أولية بسيطة كالاستعداد اللغوي، وهي لا تظهر من تلقاء نفسها، بل قد تحتاج إلى تعليم وتدريب.

      -       الاستعدادت قد تكون مستقلة بعضها عن البعض كثيرا أو قليلا.

      -       الاستعدادات تتوزع وتتفاوت بين الناس بحكم عوامل وراثية وبيئية، وكذلك حسب عوامل الرغبة والميل وقد تكون استعدادات بعض الناس واسعة المدى في حين تكون لدى البعض الآخر محدودة جدا.

      -       إن التربية والبيئة وتقدم العمر والتدريب والميل كلها عوامل لنمو الاستعداد.

       

      ب. تعريف القدرة (Ability): اصطلاح عام شامل يطلق على كل ما يستطيع الفرد أداءه في اللحظة الحالية، من أعمال عقلية أو حركية، سواء كان ذلك نتيجة تدريب أو من دون تدريب، كالقدرة على المشي والقدرة على حفظ الشعر أو القدرة على العزف أو السباحة أو  إجراء الحساب العقلي، وقد تكون القدرة فطرية كالذكاء أو مكتسبة كالقدرة على الكتابة على الآلة الكاتبة.

      2. الفرق بين الاستعداد والقدرة:

      إن الفرق الجوهري بين الاستعداد والقدرة يكمن في "عامل الزمن"، فالاستعداد هو أمر متوقع في المستقبل بينما القدرة هي نتيجة واضحة في الوقت الحاضر.

      ولشرح أوفى نورد التوضيح الذي قدمه محمد ربيع بين القدرة والاستعداد فيما يلي:

      -       الاستعداد هو الامكانية البحتة والقدرة هي التحقيق التام.

      -       الاستعداد هو أمر بالقوة، أما القدرة فهي أمر بالفعل.

      -       تبقى الاستعدادت على هيئتها الكامنة دون ظهور إذا لم يتوافر لها التدريب اللازم؛ في حين أن القدرة هي قدح الاستعداد (اشعال فتيل الاستعداد) بواسطة التعليم والتدريب.

      -       ينطبق على الاستعداد مبدأ الفروق الفردية فأغلب الناس لديهم درجة متوسطة من الاستعدادات وقليلهم لديه استعدادات متدنية، والقليل الآخر لديهم استعدادات عالية.

      -       لا تتضح الاستعدادات بصورة جلية إلا في مرحلة المراهقة.

      -       يقوم القياس النفسي على أساس قياس القدرة الحالية لدى الفرد، لأن القدرة الحالية محققة (متجلية) بالفعل وهي التي يمكن قياسها، وعن طريق قياس القدرة نحكم على الاستعداد.

      ونذكر بأن الفائدة المرجوة من قياس استعدادات الأفراد هو:

      -       التنبؤ بالمجال الدراسي والمهني المناسب لهم.

      -       اختصار الجهد (المادي والمعنوي) والوقت المبذول على الأفراد والمؤسسات في عمليتي التعليم والتدريب في مجالات غير مناسبة لهم.

      -       فرز الأفراد الذين تتناسب استعداداتهم وقدراتهم بالمجال الدراسي أو المهني المطلوب وتدريبهم ورعايتهم على الوجه المناسب.

       

      3. أنواع القدرات:

      بما أن اختبارات الاستعدادات ما هي في الواقع إلا اختبارات للقدرات، فالذي يمكن قياسه بالفعل هو القدرة ومنه يمكن الكشف عن الاستعداد والتنبؤ بقابلية الفرد على التعلم والتطور، وهو ما يكشف عن القدرات اللازمة لمهن معينة والتي ذكرها فلانجان في أنها تتمثل في ثمانية قدرات عامة هي: المفردات، اللغة، الاستيعاب القرائي، الابداع، الاستدلال الميكانيكي، التصور، الاستدلال المجرد، الاستدلال الرقمي أو الكمي.

      وعموما فإن أهم القدرات التي يمكن قياسها بوجه خاص في المجال المهني (للكشف عن استعداد الأفراد فيها) هي:

      أ. القدرات اللغوية: وهي القدرة على استخدام ألفاظ اللغة في التعبير عن الأفكار والمعاني ذلك أن الألفاظ هي رموز مجسمة وقوالب تصب فيها الأفكار، وتبدو هذه القدرة في سهولة فهم الألفاظ والأفكار المتصلة بها وإدراك ما بين الألفاظ وما بين الجمل من علاقات مختلفة أو تشابه أو تضاد. كما تتضمن القدرة اللغوية سهولة التعبير بألفاظ اللغة سواء كان هذا التعبير تحريريا أو شفهيا.

      ب. القدرة الحسابية: وتبدو في القدرة على إجراء العمليات الحسابية بسرعة ودقة وكذلك في القدرة على إدراك ما بين الأعداد من علاقات وفي سرعة التفكير الحسابي ودقته بوجه عام.

      ج. القدرة الميكانيكية: وهي القدرة على أداء الأعمال التي تتطلب فهم الآلات و إدارتها وصيناتها وإصلاحها وحلها وتركيبها وإدراك العلاقات بين أجزائها.

      د. القدرة الهندسية: وهي القدرة على فهم العلاقات بين الأشكال الهندسية وإدارة وتعديل وضع هذه الأشكال في "الذهن".

       ---< وهذه القدرات السابق الاشارة إليها ترتبط بالذكاء إلى حد كبير.

      ه. القدرات الحركية النفسية: تدخل في نطاق هذه القدرات المهارة اليدوية ومهارة الأصابع والتآزر بين اليدين والعينين، وقد سميت القدرات الحركية النفسية لأنها لا تتلخص فقط في قدرات حركية أو عضلية من حيث هي بل تتوقف أيضا وإلى حد كبير على سرعة الوظائف النفسية ودقتها وهذه القدرات مستقلة بعضها عن بعض بحيث لا يمكن القول بوجود قدرة نفسية حركية عامة.

       

      4. اختبارات القدرات:

      ومن أهم الاختبارات للقدرات هي: 

      أ. اختبار تورانس للتفكير الابتكاري: يستخدم من سن الروضة حتى سنوات الدراسات العليا ويكشف عن الذين يمتازون بقدرات ابداعية.

      ** في الرابط التالي تجدون محاضرة للاستزادة وفهم اختبارات الابداع والابتكار بعنوان: تطبيق اختبار تورانس للدكتور محمد القاضي 


      ب. اختبار مصفوفات رافن المتتابعة R.P.M: أعد رافن 60 مصفوفة أو رسما رفع منها أجزاء والمطلوب تحديد الجزء الناقص من عدة بدائل ويستخدم من سن 5 حوالي 11 مصفوفة تقدمية مكونة للأطفال، ومن سن 8 حوالي 65 مصفوفة معيارية للكبار.


      ويستخدم كأداة لتقدير القدرة العقلية العامة كالذكاء ومن يعاني من صعوبات قرائية، وأيضا لغاية الانتقاء في المؤسسات المختلفة التي تتطلب قدرا عالي من الدقة والقدرة العقلية.

      ج. مقياس القدرات وليمسون: ويقيس كل من القدرات التالية: اللفظية، العقلية، العددية، الكتابية والتجارية، النشاطية والميكانيكية، الفنية، الادارية والتنفيذية، الاجتماعية، والقدرة العملية.

      د. مقياس باترسون: ويقيس القدرات التالية: الأكاديمية، الميكانيكية، الفنية، الاجتماعية، الكتابية، والقدرة الموسيقية.

      ه.: ويعتمد المقياس على القاعدة النظرية المستمدة من العوامل الرئيسية التالية:

      - العامل الوراثي.

      - الأحداث والظروف البيئية.

      - الخبرات التعليمية.

      - مهارات القيام بالعمل.


      • المحاضرة الثالثة: القِيم Values



        للقِيم أهميتها الكبرى في حياة المجتمعات والأفراد، فهي التي تحدد معالم الأيديولوجية أو الفلسفة العامة للمجتمع. فالقيم السائدة في المجتمع الرأسمالي –مثلاً- تختلف عن القيم السائدة في المجتمع الشيوعي. والقيم السائدة في المجتمع الديني تختلف عن القيم السائدة في المجتمع العلماني؛ لأن القيم انعكاس للطريقة التي يفكر بها أبناء المجتمع، أو الثقافة المشتركة الواحدة.

        وتُعَد القِيم من المعالم المميزة للثقافات الفرعية داخل المجتمع الواحد؛ فالقيم التي تسود بين سكان الريف، تختلف -في بعض منها- عن القيم التي تسود بين سكان المجتمعات الحضرية. كما تختلف القيم التي تنتشر بين المراهقين عن تلك التي بين الشباب والشيوخ. فالقيم هي التي توجه سلوك أبناء الثقافة الفرعية وأحكامهم، فتحدد لهم ما هو مرغوب فيه وما هو مرغوب عنه؛ بل تشكل الغايات المثلى التي يسعى أبناء هذه الثقافة إلى تحقيقها.

        وللقِيم أهميتها التربوية لأنها مصدر لتشكيل السلوك؛ فهي المعايير التي يستخدمها كل من التلميذ والمعلم في الحكم على السلوك السّوي وغير السوي. وقد كشفت الدراسات عن أهمية القيم في خلق البيئة التربوية المناسبة، التي تحقق المزيد من فهم التلاميذ واستيعابهم، ومن التفاعل بين التلميذ والمعلم. فتزايد التقبل من جانب المعلم لتلاميذه، يترتب عليه زيادة اهتمام التلاميذ بالعمل المدرسي، وزيادة ابتكاريتهم وكفاءتهم في التحصيل الدراسي.

        كما تُبين أهمية القِيم في علاقاتها بالأسلوب الذي يتبعه المعلم، مع التلاميذ أو الطلاب في عملية التدريس. فَنَسَقُ القيم الذي يتبناه المعلم ـ بوصفه مصدراً لعملية التفاعل مع التلاميذ ـ يؤثر في مستوى أدائه.

        أما في مجال التوجيه التربوي والمهني، فللقيم دور مهم؛ فالمستقبل المهني للفرد لا يعتمد فقط على استعداده للعمل، وإنما على المجتمع الذي يعيش فيه ويعمل، والتوجهات السائدة في هذا المجتمع. فالنظام الاجتماعي الذي تسمح قيمه المهنية بالانتقال من مستوى اقتصادي اجتماعي إلى مستوى آخر، يختلف –مثلاً- من ناحية أثره في التوجيه التربوي أو المهني، عن النظام الذي يفرض على الأبناء العمل في مهن الآباء نفسها. كما أن المجتمع الذي يشترط شروطاً لا تتعلق بقدرات الفرد وميوله للالتحاق بعمل ما، يؤثر في التوجيه المهني لأفراده. وبناءً على النظرة الاجتماعية للعمل (الفني أو الأكاديمي... إلخ)، يتجه الأفراد إلى نوع التعليم المرغوب فيه من المجتمع بدرجة أكبر.

        ويتجه الفرد للمهنة التي تشبع احتياجاته وقيمه، كما يختار الدراسة التي تؤهله للالتحاق بهذه المهنة والعمل فيها والاستمرار والنجاح في أدائها. فثمة علاقة –مثلاً- بين القيمة الجمَالية، واختيار الفرد للمهن الفنية والعمل كفنان أو مؤلف، وبين القيمة الاجتماعية ودراسة الخدمة الاجتماعية والإرشاد النفسي، ثم العمل كأخصائي اجتماعي، أو في مجال الإرشاد النفسي، أو في مجال التمريض.

        وللقيم أهميتها في تحقيق الصحة النفسية للأفراد؛ فهي من عوامل الوقاية من الأمراض النفسية. فالقيم المرتبطة بذات الفرد تشكل وجهة نظره للحياة وطريقته في التعامل الاجتماعي، ومن ثَم، تحقيق التكيف النفسي. كما أن القيم التي تحدد معايير الحلال والحرام، وما هو مقبول أو مرفوض في المجتمع، تشكل سلوك الفرد وتعامله الاجتماعي، ما يؤثر في توافقه النفسي. ويؤدي الصراع القيمي، أو عدم اتساق القيم لدى الفرد، إلى حدوث اضطرابات في الشخصية وسوء في التوافق الاجتماعي (فالمرضى النفسيين يظهرون اتجاهاً مضاداً أو معاكساً للقيم الدينية). لهذا يكون تعديل القيم واحداً من وسائل وأساليب العلاج النفسي.

        ويعتمد نمو الضمير عند الطفل على معايير الوالدين وقيمهم. ويؤدي تعارض القيم داخل الأسرة إلى اضطراب عمليات التطبيع الاجتماعي وتنشئة الأبناء؛ فتنشأ شخصياتهم مضطربة بشكل يعوق توافقهم المستقبلي.

        وإذا كان الشعور المتوازن بالسعادة أو الرضا دالة للصحة النفسية للأفراد، فإن للقيم دورها في تحقيق تلك السعادة. فالقيم المرتبطة بالتفاؤل تكون ذات علاقة إيجابية بالسعادة، وكذلك ترتبط القيم التي تؤكد على التفاعل الاجتماعي البناء بالسعادة ارتباطاً عالياً. وللقيم الدينية إسهامها العالي في شعور الفرد بالسعادة والرضا، فالملتزمون دينياً يرتفع لديهم معنى الحياة، أي شعور الفرد بالحب والسعادة والعلاقة الطيبة مع الآخرين.

        أولاً: تعريف القيم

        تختلف تعريفات القيم بناءً على المجال الذي تنتمي إليه (الاقتصاد، الفلسفة... إلخ)، وتبعاً لنوع القيم ذاتها (اجتماعية، دينية... إلخ).

        1. يتضح اختلاف تعريفات القيم بناءً على المجال الذي تُستخدم فيه أو تنتمي إليه. فللقيمة في مجال الاقتصاد –مثلاً- عدة معاني، منها: صلاحية شيء لإشباع حاجة (قيمة المنفعة)، ومنها ما يساويه متاع حين يُستبدل بغيره في السوق، ومن ثَم، فهي تقدير الشخص لهذا المتاع، أو تقدير الجماعة لما يُتبادل بين أفرادها (قيمة المتاع وقيمة المبادلة). ونظراً لكثرة استخدام مفهوم القيمة في علم الاقتصاد، لذا سُمي هذا العلم "علم القيمة".

        أما الفلاسفة فيرون أن مهمة الفلسفة تستند إلى أساس قيمي، سواء في اتجاهها إلى النقد أو الإبداع. فهي التي تبرر المبادئ، وتكشف الافتراضات، وتناقش القيم الرئيسية، ظاهرة كانت أو خفية، وراء مشكلات الثقافة السائدة بما يحتدم فيها من صراع، وما يختلج فيها من توتر. وهي التي توضح معنى ذلك في حياة الفرد والجماعة، وتبيّن دلالته في حاضر الثقافة ومستقبلها. وهذا من شأنه تعميق إحساس الإنسان بقيمه، ما يجعله يدعم قدرته على توجيهها نحو ما ينبغي له أن يكون. وترى الفلسفات المثالية، بوجه عام، استقلال القيم وانعزالها عن الخبرة الإنسانية. أما الاتجاه الثاني، فيتمثل في الفلسفات الطبيعية التي ترى القيم جزء لا يتجزأ من الواقع الموضوعي، للحياة والخبرة الإنسانية. فالأشياء لا ترتبط بقيم سامية لسر كامن فيها؛ بل دائماً تكون قيم الأشياء نتاج اتصالنا بها، وتفاعلنا معها، وسعينا إليها، وتكوين رغباتنا واتجاهاتنا نحوها. فالقيم من نسيج الخبرة الإنسانية، وجزء لا يتجزأ من كيانها. فالأشياء ليست في ذاتها خيرة أو شريرة، صحيحة أو خاطئة، قبيحة أو جميلة، وإنما هذه الأحكام نصدرها نحن من واقع تأثيرنا في هذه الأشياء، وتأثرنا بها.

        2. أما العامل الثاني الذي أدى إلى اختلاف تعريف القيم، فهو اختلاف تعريف كل نوع أو فئة من تلك القيم. فالقيمة الاجتماعية هي الحكم الذي يصدره الإنسان على شيء ما، مهتدياً بمجموعة من المبادئ والمعايير، التي وضعها المجتمع الذي يعيش فيه، والذي يحدد المرغوب فيه والمرغوب عنه من السلوك؛ أو هي اهتمام أو اختيار أو تفضيل يشعر معه صاحبه أن له مبرراته الخلقية أو العقلية أو الجمالية، أو كل تلك مجتمعة، بناءً على المعايير التي تعلمها من الجماعة، ووعاها في خبرات حياته نتيجة عملية الثواب والعقاب والاتحاد مع غيره أو الارتباط به.

        ويتضمن مفهوم القيمة بالمعنى الاجتماعي اتخاذ قرار أو حكم يتحدد على أساسه سلوك الفرد أو الجماعة إزاء موضوع ما، ويتم ذلك بناءً على نظام معقد من المعايير والمبادئ. وهذا معناه أن القيمة ليست تفضيلاً شخصياً أو ذاتياً؛ بل تفضيل له ما يبرره في ضوء المعايير الاجتماعية العامة.

        وبناءً على هذا المفهوم، ميّز العلماء بين القيم الخاصة بالمجتمع القديم، الذي تسوده القيم التقليدية، والقيم الخاصة بالمجتمع العصري الذي تسوده القيم العصرية، وبين قيم المجتمع الريفي وقيم المجتمع الحضري.

        أما مفهوم القيمة بالمعنى النفسي، فهي تنظيمات معقدة لأحكام عقلية انفعالية معممة نحو الأشياء، أو الأشخاص، أو المعاني، سواءً كان التفضيل الناشئ عن هذه التقديرات المتفاوتة صريحاً أو ضمنياً. ويمكن تصور هذه التقديرات على أساس أنها امتداد يبدأ بالتقبل، ويمر بالتوقف، وينتهي بالرفض.

        ويتضمن مفهوم القيمة بالمعنى النفسي تركيزه على قيم الفرد ومحدداتها المختلفة. كما يتضمن هذا المفهوم ثلاثة مقومات معرفية بوصفها أحكاماً عقلية، ومقوماً انفعالياً، من حيث امتدادها بين القبول والرفض لموضوع معين، ومقوماً نزوعياً، من حيث تحريكها للفرد في اتجاه معين وتوجيه سلوكه الشخصي.

        وبناءً على المفهوم النفسي للقيم، ميّز علماء النفس بين القيم الوسائلية والغائية، وبين القيم الملزمة والتفضيلية والمثالية، وبين القيم العامة والخاصة.

        أما المفهوم الديني للقيم فيُنظر إليها على أنها عملية تفضيل تقوم على الاستقامة والاعتدال، وتنطلق أساساً من مصادر أحكام الشريعة (الإسلامية) ومعاييرها ومبادئها. وهي تحدد المرغوب فيه حلالاً طيباً وتأمر به، والمرغوب عنه حراماً خبيثاً وتنهى عنه. وتعمل كدوافع أو مثيرات لسلوك الفرد والمجتمع نحو خلق الشخصية السوية المتكاملة وتنميتها، وذلك بما يكفل للإنسان السعادة الأبدية. وثمة تعريف آخر أكثر عمومية للقيم الدينية يرى أنها اهتمام الفرد وميله نحو معرفة ما وراء العالم الظاهري، فهو يرغب في معرفة أصل الإنسان ومصيره. ويرى أن هناك قوة تسيطر على العالم الذي يعيش فيه، وهو يحاول أن يصل نفسه بهذه القوة.

        ويتضمن المفهوم الديني للقيم التأكيد على أنها مجموعة الصفات السلوكية العقائدية والأخلاقية، التي توجه السلوك. وهي التي تصنع نسيج الشخصية وتطبعها بطابعها. وتُبني القيم الدينية على تصور محدد للكون والخالق، وللإنسان والعقل والعلم والمعرفة.

        وبناءً على المفهوم الديني للقيم ذكر الباحثون عدداً منها، مثل: قيم الإيمان، والتقوى، والتعبد، والحق، والحرية، والمسؤولية.

        ويتضح، مما سبق، تعدد تعريفات القيم واختلافها، إلا أن التعريف الذي يمكن الأخذ به هو أنها: "صفة يكتسبها شيء أو موضوع ما، في سياق تفاعل الإنسان مع هذا الشيء أو الموضوع"؛ أو هي لفظ نطلقه ليدل على عملية تقويم يقوم بها الإنسان، وتنتهي بإصدار حكم على شيء أو موضوع أو موقف ما؛ أو هي القرار الذي يصدره الإنسان لأمر ما، بناءً على دستور من المبادئ أو المعايير.

        ويُلاحظ على هذا التعريف أنه تعريف إجرائي، أي قابل للملاحظة. فهو صفة ملحوظة، أو كلمة ننطق بها، أو حكم يتخذه الفرد، أو قرار يصدره. ويتضمن التعريف أن القيمة معيارية الطابع؛ لأنها تقوم على أساس دستور من المبادئ أو المعايير.

        ثانياً: خصائص القيم

        نظراً لتعدد القيم وتنوعها، ولاختلاف تعريفاتها، أورد العلماء خصائص متعددة لها. وقد يبدو على هذه الخصائص أحياناً التناقض والتداخل والتعارض. ومن هذه الخصائص:

        1. نسبية القيم

        يُقصد بنسبية القيم أن معناها لا يتحدد ولا يتضح عند النظر إليها في ذاتها مجردة عن كل شيء، بل لابد من النظر إليها خلال الوسط الذي تنشأ فيه؛ لذلك فالحكم عليها ليس حكماً مطلقاً بل حكماً ظرفياً وموقفياً، وذلك بنسبتها إلى المعايير التي يفضلها المجتمع، في زمن معين وبإرجاعها إلى الظروف المحيطة بثقافة القوم.

        والنسبية قد تكون زمانية، تختلف من وقت لآخر؛ أو مكانية، تختلف من مجتمع لآخر؛ أو شخصية، تختلف من فرد لآخر.

        2. ثبات القيم

        توصف القيم بأنها أبطأ في التغيير من الاتجاهات والرغبات والميول، لهذا فإن ثباتها يكون نسبياً. وتزداد نسبية ثباتها لتوجهها نحو أهداف معينة قابلة للتغيير؛ ولأنها لا تعكس فقط حاجاتنا الخاصة، بل تعكس، أيضاً، ما يثيب أو ما يعاقب عليه المجتمع، في فترة معينة.

        3. معيارية القيم

        ترجع طبيعة القيم المعيارية إلى أنها تتضمن إصدار أحكام أو اتخاذ قرارات لأمر ما، بناءً على دستور من المبادئ أو المعايير الاجتماعية السائدة، في مجتمع ما في فترة معينة.

        4. القيم مفاهيم مجردة

        تتضح الطبيعة المجردة للقيم في أنها لا تُقاس مباشرة، بل تُقاس بطريقة غير مباشرة. فالقيمة لا تُقاس مباشرة بل يُستدل عليها من مجموع استجابات الفرد إزاء موضوع معين. فالتدين كقيمة لا يُقاس مباشرة، بل بسؤال الفرد عن تصرفاته في بعض المواقف (كالصيام في يوم حار، ومساعدة المرضى، وإغاثة الملهوف في موقف خطر... إلخ).

        5. القيم تتضمن الاختيار والتفضيل

        تتضمن القيم الاختيار والتفضيل لكل ما هو مرغوب فيه، على أساس عقلي أو اجتماعي أو خُلقي أو ديني. وكثيراً ما يتضمن الاختيار والتفضيل توتراً وصراعاً بين ما يرغب فيه الإنسان، وما ينبغي أن يكون عليه الحال في نظر الجماعة.

        6. القيم تسلسلية أو ترتيبية

            تترتب القيم لدى كل فرد ترتيباً هرمياً، يُعرف بالسلم أو الإطار أو النسق القيمي. وعلى قيمة هذا النسق تكون القيمة الغالبة على سلوك الفرد؛ فالتاجر تكون قيمه الاقتصادية على قمة هرم قيمه، والمحامي تكون القيمة النظرية على قمة هرمه القيمي، ورجل الدين تكون القيمة الدينية على قمة هرمه القيمي.

        ويحاول كل فرد أن يحقق قيمه جميعاً؛ ولكن إذا حدث تعارض بينها، فإنه يخضع بعضها للبعض الآخر وفقاً لترتيب خاص به. والقيم في ترتيبها لا تكون ثابتة، بل تتبادل المراكز فيما بينها تبعاً لظروف الفرد.

        7. القيم محصلة للخبرات والممارسات الاجتماعية

        تُكتسب القيم أثناء عملية التطبيع أو التنشئة الاجتماعية. فالقيم بوصفها معيارية تتأثر بالمستويات المختلفة، التي يكونها الفرد نتيجة احتكاكه بمواقف اجتماعية، ونتيجة لخضوعه لعملية التعلم والتعليم في البيئة التي يعيش فيها.

        ولهذه الخاصية انعكاسها على إلزامية القيم لسلوك أعضاء مجتمع معين، في زمن معين.

        8. القيم ذات طبيعة تقويمية

        تتضمن القيمة عملية تقويم يقوم بها الإنسان، وتنتهي بإصدار حكم على شيء أو موضوع أو موقف ما، أو اتخاذ قرار بشأن تفضيل، أو انتقاء لسلوك معين، إزاء ذلك الشيء أو الموضوع أو الموقف.

        ثالثاً: النسق القيمي

        من خصائص القيم أنها تترتب فيما بينها لدى الفرد أو لدى المجتمع، ويُطلق على هذا الترتيب النسق القيمي. ويُقصد به أنه نموذج منظم ومتكامل من التصورات والمفاهيم الدينامية الصريحة أو الضمنية، يحدد ما هو مرغوب فيه وما هو مرغوب عنه. أي أنه مجموعة القيم المتساندة بنائياً والمتباينة وظيفياً، في داخل إطار ينظمها ويشملها ويرسم لها تدرجاً خاصاً. ويتخذ هذا التدرج شكلاً هرمياً تكون على قمته القيمة الغالبة، على سلوك الفرد أو الجماعة.

        ويؤدي نسق القيم مجموعة من الوظائف، أهمها:

        1. للمجتمع

        ·   تزويد أعضاء المجتمع بمعنى الحياة وبالهدف الذي يجمعهم من أجل البقاء. كما أن التكامل الأخلاقي في جماعة معينة يكون محكوماً بالقدر الذي يتبنى به جميع أعضاء الجماعة مجموعة من القيم، على النحو الذي تُصبح به حياة هذه الجماعة منظمة.

        ·   ربط أجزاء الثقافة ونظمها بعضها ببعضها حتى تبدو متناسقة. كما تعمل على إعطاء هذه النظم أساساً عقلياً يستقر في ذهن أعضاء المجتمع المنتمين إلى هذه الثقافة أو تلك.

        ·   وجود تشابه أخلاقي بين أعضاء مجتمع معين، نظراً لالتزامهم بالقيم السائدة أو الغالبة في مجتمعهم.

        ·   يحدد النسق القيمي لكل مجتمع مشكلاته الاجتماعية، ذلك أن المشكلة لا يكون لها كيان مستقل من دون تعريفها عن طريق القيمة. ولن تكون الجريمة كذلك إلا إذا أقرتها قيم الفرد والجماعة.

        2. للفرد

        ·   يصبغ النسق القيمي كل فرد بصبغته الخاصة. فالشخص الذي يحب المال يسعى بكل جهده للحصول عليه، ويكون "حب المال" قيمة عنده غالبة على سلوكه. وقد يكون الكرم أو الكرامة من قيمه أيضاً، ولكنها تحتل مرتبة دُنيا.

        ·   توجيه سلوك الفرد نحو غايات وأهداف محددة؛ فمن كان يحب المال كقيمة سيسعى جاهداً لاكتنازه؛ ومن كان يُحب العلم كقيمة، سيبذل قُصارى جهده لتحصيله والارتقاء به.

        ·   تُعَد أنساق القيم مستويات يعتمد عليها الأشخاص في الاحتفاظ بالتقدير الذاتي لأنفسهم، بصفة مستمرة بين أقرانهم وزملائهم. كما تساعد الفرد على إجراء وإصدار تبريرات معينة، لتأمين حياته والدفاع عن ذاته.

        ·   يؤدي النسق القيمي إلى توافق الشخص النفسي والاجتماعي. فلكل مرحلة عمرية نسق من القيم تتميز به عن غيرها من المراحل، طبقاً للخصائص المعرفية والوجدانية والسلوكية لها. ويؤدي هذا النسق في حالة توازنه، إلى تحقيق توافق الفرد مع القواعد والمعايير الاجتماعية والأخلاقية السائدة في المجتمع.

        والنسق القيمي للأفراد والمجتمعات ليس ثابتاً؛ بل يتغير تبعاً لما يمر به المجتمع من ظروف وأحداث؛ فالحروب والأزمات تغير النسق القيمي للمجتمعات، وكذلك يؤدي احتكاك الثقافات إلى دخول قيم جديدة على المجتمعات، ما يؤدي إلى تغير النسق القيمي لتلك المجتمعات.

        ويتشكل النسق القيمي للأفراد تبعاً لمراحل نموهم، ولما يمرون به من ظروف وأحداث. ويشمل ذلك: مستوى التعليم ونوعه، ونوع الجنس، والإطار الثقافي العام، والمستوى الاقتصادي والاجتماعي، ودرجة التدين ونوع المعتقد.

        رابعاً: تغير القيم

        يأخذ التغير في القيم أشكالاً وصوراً متعددة، منها:

        1.  اكتساب القيم أو التخلي عنها مثل اكتساب الأطفال لقيم مجتمعهم. فعند فترة مراهقتهم يتخلون عن بعض قيمهم المرتبطة بالصداقة، ليكتسبوا قيماً جديدة.

        2.  إعادة توزيع القيمة كأن تبدأ القيمة لدى عدد قليل من الأفراد ثم تنتشر أفقياً، أي مكانياً، وتنتقل رأسياً، أي زمانياً. فقادة الثورات يتبنون مجموعة من القيم التي ينشرونها بين أتباعهم، ثم في مجتمعاتهم، ثم تنتقل هذه القيم من جيل لآخر.

        3.  التأكيد على شأن القيمة أو التقليل من شأنها، كالتأكيد على القيم الدينية والإقلال من شأن القيم العلمانية أو عكس ذلك.

        4.  تغير النسق القيمي وإعادة تدرجه (كما سبق توضيح ذلك). فمع نمو الفرد يزداد عدد القيم التي يتبناها في نسقه القيمي؛ ولكن عند انضمام قيم جديدة إلى النسق القيمي السائدة، يحدث نوع من إعادة الترتيب أو التوزيع لهذه القيم، حسب أهميتها للفرد.

        5.  تغير طرق تحقيق القيم؛ فكسب "المال" كقيمة قد يتغير من الحلال إلى الحرام أو العكس؛ وتحقيق "الحرية" كقيمة قد ينتقل من الدعوة إلى الهجوم، وإلى العدوان، أو الجهاد.

        6.  تتغير القيم ارتقائياً عند الانتقال من الطفولة المبكرة وحتى نهاية العمر. فمع نمو الفرد تزداد المعايير التي يحتكم إليها وضوحاً وكفاءة في تحديد قيمه. كما يتغير مفهوم المرغوب فيه والمرغوب عنه. ويمضي ارتقاء القيم منتقلاً من العيانية إلى التجريد، ومن البساطة إلى التركيب، ومن الخصوصية إلى العمومية، ومن الوسيلة إلى الغاية. ويكون ارتقاء القيم محصلة للتفاعل بين الفرد بسماته ومحدداته الخاصة، وبين الإطار الحضاري الذي يعيش فيه.

        خامساً: اكتساب القيم

        لما كانت القيم مكتسبة، فإن التعلم والتعليم هما الطريق لتحقيق ذلك. ويتم التعلم بعدة وسائل وأساليب، منها ما هو مباشر وما هو غير مباشر:

        1.  القدوة؛ فالوالد قدوة لأبنائه، والمعلم قدوة لتلاميذه، ورئيس العمل قدوة لموظفيه. وكلّما كانت القدوة صادقة في سلوكها، متسقة في أقوالها وأفعالها، متشابهة في ثقافتها مع الآخرين، ومتسمة بالصِّدقية والثقة، كلما ساعد ذلك في انتقال القيم وإكسابها للآخرين.

        2.  تقديم الحقائق الموضوعية التي تتناسب في مستواها وطريقة تقديمها للآخرين. فالحقائق تزيد المتلقي فهماً ومعرفة، ومن ثَم، وعياً واقتناعاً بموضوع القيمة وقدرة على تفسيره. وتؤدي الحقائق المدعمة بالأمثلة إلى تغير الجانب الوجداني، ما ييسر قبول القيمة والعمل بها.

        3.  ربط التصرف بالنتيجة أو السلوك بالآثار المترتبة عليه. فأسلوب الوعظ لتعليم القيم لا يؤتي النتائج المرجوة منه في ذاته؛ ولكن إذا تدعّم الوعظ مع ربط التصرف أو السلوك بالنتائج المترتبة عليه، ساعد ذلك على اكتساب القيم وزيادة تقبلها.

        4.   استخدام المناقشات الجماعية ييسر تبني القيم؛ لأن المناقشة تتضمن جانباً معرفياً، كما تتضمن إيجابية ومشاركة الأفراد في اتخاذ القرار، ما ييسر تبنيهم للقيم ودفاعهم عنها. لذلك تتضمن المناقشات ممارسة الجماعة للضغوط على أعضائها المخالفين للقيمة، حتى ينصاعوا لما اتفقوا عليه.

        5.   يؤدي التعلم المباشر للقيم دوره الكبير في إكسابها. ومن أمثلة ذلك تدريس الدين والأخلاق بالمدارس، وتنفيذ المشروعات المرتبطة بالقيم (مثل العطف على الفقراء والمحتاجين، زيارة المرضى... إلخ).

        6.   يساعد التقييم والنقد الذاتي لسلوك الفرد، في فهمه لقيمه وآثارها في التعامل مع الآخرين وفي تحقيقه لأهدافه. وكلما كان التقييم الذاتي أميناً ومخلصاً، أسهم في إكساب القيمة ونموها وتعديلها أو تثبيتها.

         


        • المحاضرة الرابعة: الميول



          لقد كانت الثورة الصناعية التي شهدها العالم إبان القرن التاسع عشر و اوائل القرن العشرين بمثابة بداية جديدة لكثير من حقول العلم و المعرفة و لم يكن علم النفس بمنأى عن ذلك , حيث اهتم العلماء بالدراسات العلمية للميول انعكاسا لحاجة حقل التوجيه التربوي و المهني لمثل هذه الدراسات آنذاك , لما لاحظه المربون و المختصون من" أن الاستعدادات و التحصيل الدراسي و الاعداد المهني لا تفسر وحدها نجاح الفرد في دراسته او في مهنته أو تكيفه لهما فالميول في الواقع تدخل كعامل هام في هاتين العمليتين "حيث لوحظ "ان اكثر التلاميذ تحمسا لدراستهم هم أولئك الأكثر ميلا و توجها للدراسة وهذا ما نلاحظه أيضا من أن بعض الطلبة يبرز في التحصيل في مادة دون أخرى , مما يعكس ما وراء ذلك من ميل لهذه المادة و إن كان يرافق هذا الميل قدرة عقلية .., كما نلاحظ أن أكثر العمال رضا و انجازا في عملهم , هم الذين يلتحقون بمهن تتفق مع ميولهم, ونراهم يرتبطون برفاق عملهم برابطة قوية نتيجة ميلهم لهذه المهنة ".ولم تقتصر دوافع دراسة الميول على تلك الاسباب بل تطورت نتيجة لإفرازات عصر الثورة الصناعية الذي تمثل في الحرص على الكفاءة و عدم هدر الجهود , فبرزت بقوة الحاجة لعمليات الانتقاء و التصنيف التربوي و المهني التي أبرزت الحاجة الملحة لتصميم اختبارات تقيس الميول لتعين على عملية الانتقاء و التصنيف.

          وفي هذا السياق يجدر بنا ان نذكر ان أقدم نظرية من نظريات الميول ظهرت عام 1909م و كان منظرها هو العالم بارسونز الذي " افترض أن التكيف المهني يزداد عندما تنسجم خصائص الفرد و ميوله مع المهنة ", " و في العام الدراسي عقدت مؤسسة كارنيجي للتكنولوجيا في الولايات المتحدة سيمنار موضوعه الميول, انبثق عنه مجموعة من اختبارات الميول التي لم يكتب لأي منها الاستمرار و الازدهار مثل ما كتب لاختبار سترونج الذي كان بدوره أحد الاختبارات التي انبثقت عن السيمنار ذاته ".و تعد تلك الجهود بدايات قوية غذت العديد من الدراسات اللاحقة في مختلف بلدان العالم فنتج عن ذلك العديد من اختبارات الميول المهنية التي كان من أحدثها الاختبار الذي نحن بصدد تطبيقه ألا وهو اختبار الميول المهنية CIT للبروفيسور جيمس . أ . أناثاسو و الذي نعرض في هذا الباب اهم ما ورد في ادبيات علم النفس عن الأساس النظري الذي صمم على اساسه هذا الاختبار

          1.تعريف الميل :اوردت المراجع التي اطلعت عليها الباحثة قرابة ثلاثة عشر تعريفا للميل , وقد كان تعريف جيلفورد للميل الذي ينص على أن الميل هو " نزعة سلوكية عامة لدى الفرد تجعله ينجذب نحو فئة معينة من فئات النشاط " أكثرها تكررا , هذا و يمكننا ان نستعرض تعاريف الميل حسب ما ورد في مضمونها كالتالي :

          اولا : تعاريف تناول الميل من حيث هو مكون نفسي يوجه الفرد لأنماط سلوكية معينة :الميل هو حب الفرد لنشاط معين و رضاه عنه و تركيز ذهنه فيه و الاستعداد إلى بذل أقصى مجهود فيه و الاستمرار فيه أطول وقت ممكن .الميل هو التعلق بأمر معين و الاقبال على الانتباه إليه و الاستمرار في الاهتمام به في شيء من الاحتمال و الرغبة و يمكن أن يتصل هذا الميل بما يحب الشخص أو يعجب به أو بما من شأنه أن يوجد عنده نوعا من الانشغال بهذا الامر.- الميل دافع يحدد استجابة الفرد بطريقة انتقائية تعكس القوة النسبية للشحنات الموجبة للأشياء و الانشطة على اختلافها و تعددها في عالم الفرد السيكولوجي.

           تعريف جيلفورد : " نزعة سلوكية عامة لدى الفرد تجعله ينجذب نحو فئة معينة من فئات النشاط " .

          الميل شعور عند الفرد يدفعه إلى الاهتمام و الانتباه بصوره مستمرة إلى موضوع معين و يكون هذا الاهتمام او الانتباه مصحوبا بالارتياح من قبل الفرد.الميل في قاموس دريفر لعلم النفس : هو عامل من عوامل تكوين الفرد قد يكون مكتسب و يدفع الفرد إلى الانتباه لأمور معينة وهو من الناحية الوظيفية نوع من الخبرة الوجدانية تستحوذ على اهتمام الفرد و ترتبط بانتباهه إلى موضوع معين أو قيامه بعمل ما .الميل عند بنجهام : هو النزعة التي تؤدي إلى الانغماس في خبرة ما و الاستمرار فيها .الميل هو خليط من الاحساسات و المشاعر الذاتية و بعض الانماط السلوكية .الميل في قاموس وبستر : هو استعداد لدى الفرد يدعو إلى الانتباه إلى أشياء معينة تستثير وجدانه.- تعريف جون دوي : الميل الحقيقي هو ببساطة ان الشخص يحقق ذاتيته أو وجد نفسه في قيامه بعمل معين.. 

            ثانيا : تعاريف تناولت الميل من حيث هو مثيرات خارجية تستدعي استجابة معينة :الميل هو النشاط الذي يثير شعورا سارا عند الفرد .- الميل عند بردي و كول و هانسون : يعني ببساطة فئات أو مجموعة من الاشياء او الاشخاص التي يتقبلها او يرفضها الفرد و تقوده إلى نماذج أو أنماط متسقة من السلوك .إلا أن بعض المراجع التي تناولت الميل عرضت معنى الميل عند العالم سوبر الذي نحى منحى مختلف نوعا ما عن التعاريف السابقة , حيث أن معنى الميل عنده يتوقف على الطريقة التي تتبع في الكشف عن الميول :1- الميل المعبر عنه لغويا حيث أن الفرد يعبر عن ميله او عدم ميله لشيء معين بمجرد القول بأنه يحب او لا يحب , و تقاس هذه الميول عن طريق استفتاء الفرد و اكدت البحوث أن هذا النوع من الميول ليست ثابتة .2- الميول الظاهرة , وهي التي تكون واضحة عن طريق النشاط و الذي يقوم به الفرد في حياته .3- الميول التي نعرفها من خلال الاختبارات الموضوعية التي تقدم للفرد للكشف عن ما لديه من خلال النشاطات التي تعرض عليه , حيث يقاس ميل الشخص بمدى معلوماته في الميدان الذي يميل إليه .4- استبيانات الميول ونتعرف عليها بطريقة مشابهة لطريقة الاستفتاءات التي تتبع في الكشف عن الميول المعبر عنها كما في النوع الاول . غير أن هذه الطريقة تختلف من حيث أن كل سؤال في القائمة التي تختبر الميول يكون لنوع الاجابة عليه درجة معينة, ولا تكون الدرجة هي مجموع درجاته على المفردات كما هو الحال في الاستفتاءات لأن الاستبيانات تعطي نمط من الميول المتعدد للفرد و لا تعطي درجة واحدة من ناحية و احدة .

            علاقة الميل ببعض المصطلحات النفسية الاخرى :

          أولا: علاقة الميل بالاستعداد و القدرة :مع ان قاموس وبستر عرف الميل على انه استعداد , إلا أنه من الواضح بالتجربة و ملاحظة الواقع العملي انه ليس بالضرورة ان الشخص الذي له ميل عال يمكن أن ينجح في المهنة التي يميل إليها وهذه النقطة بالذات اثارت شكوكا نحو الميل , وهذا يعني ان الميل لمهنة او نشاط ما قد يوجد لدى شخص يفتقر للاستعداد لتلك المهنة او ذلك النشاط , لذا المحت العديد من المراجع لاعتبار هما متغيران مستقلان , و قد اعتبر البعض أن "الأداء في عمل من الاعمال هو خلاصة للاستعداد و الميل معا وعلى هذا فإن قياس هذين المتغيرين , أي الميل و الاستعداد , يسمح بدرجة أكبر من الدقة في التنبؤ بالأداء من الاقتصار على واحد منهما ذلك انهما على الرغم من ارتباطهما فإن مستوى مرتفعا في أحدهما ليس بالضرورة مستوى مرتفعا في الآخر " .وحيث أن لا قدرة بدون استعداد فإن العلاقة بين الميل و القدرة لا تختلف كثيرا عن العلاقة بين الميل و الاستعداد فقد ذكر ”نجاتي“أن كثير من الدراسات بينت " أن العلاقة بين الميل و القدرة ضعيفة جدا بحيث لا يمكن التنبؤ بالميل من معرفة القدرة .و يبدو أن الميول و القدرة سمات مختلفة للحياة العقلية . حيث يبدو أن الميل يحدد "اتجاه المجهود ”, اما القدرة فتحدد " مستوى الأداء ".

          ثانيا : علاقة الميل بالدافع :عند استعراضنا لتعريفات الميل اتفق ان وصف الميل صراحة بأنه دافع, أو ضمنيا كما في تعريف جيلفورد و غيره , و" تعريف الميل على هذا النحو يضعه في المجال العام للدوافع فالميول كالحاجات و الاتجاهات نوعاً من السمات التي يمكن ان يطلق عليها دينامية او دافعية", إلا أن الميول تختلف عن الدوافع. فالدوافع ترتبط بأهداف محددة , بينما ترتبط الميول بمجموعات متشابهة من الاهداف . ثم إن الدوافع مؤقتة , وهي تتفاوت في القوة تبعا لحالات النقص أو الاشباع , بينما الميول تستمر لمدة طويلة نسبيا , وتكون اكثر ثباتا في قوتها " .

          ثالثا : علاقة الميل بالاتجاه :بالرغم من أن بعض المصادر قد تصف الميل بأنه اتجاه إلا ابو اسعد و الهواري حددا " الفرق بين الميل و الاتجاه بان الاتجاه يكون نحو الشيء كما يكون ضده , اما الميل فلا يكون إلا نحوه , و الاتجاه أقل من الاهتمام درجة و أضعف دفعا كما ان الاتجاه قد يكون ذاتيا او شخصيا وقد يكون عاما , أما الاهتمام أو الميل فلا يكون إلا ذاتيا شخصيا" , إلا أنهما اكدا ان الاتجاهات و الميول قد تتطور " لتصبح مثلا او قيما أو عقيدة يدين بها الفرد , وذلك عندما يلح عليها بالتأكيد و تمتلئ بها النفس " .الميلالاتجاهالميل لا يكون إلا نحو الشيءالاتجاه يكون نحو الشيء و ضدهالميل يعني الاهتمامالاتجاه أقل و أضعف درجة من الاهتمامالميل لا يكون سوى ذاتيا شخصياالاتجاه قد يكون ذاتيا أو عاما .

          رابعا : علاقة الميل بالشخصية :تشكل الميول سمة هامة من سمات الشخصية التي اهتمت بها الدراسات النفسية لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالإقبال على نواحي النشاط في المجالات المختلفة كما أنها تسهم مع غيرها من سمات الشخصية الاخرى مثل الاتجاهات و الدوافع و القيم في التكيف التربوي و النفسي, الذي بدوره يشكل عامل مهم من عوامل الصحة النفسية للفرد , و بالتالي عامل مهم في استقرار المجتمع و تنميته .إلا ان بعض المصادر تذكر ان بدايات دراسات الميول و تصميم اختباراتها و تفسيرها كانت تتم على أساس عملي غير نفسي إلا ان هذا التوجه لم يلبث إلا ان تغير مع تقدم الدراسات في هذا الشأن التي نحت إلى تسليط الضوء على العلاقة بين الميل و الشخصية أكثر فأكثر , و من أشهر تلك الدراسات , الدراسة التي قام بها جيلفورد و زملائه و نتج عنها تحديد أكثر من عشرين عامل ميل يبدو أن معظمها يعكس اساليب شخصية عامة و ليس اتجاهات مهنية , أثبت دراسة أخرى أن هناك ارتباطا بين درجات اختبار سترونج و كيودر ( وكلاهما اختبارات ميول مهنية كما سيأتي ذكره ) و اختبارات الشخصية مثل اختبار منيسوتا المتعدد الأوجه و غيره , وقد استمرت الدراسات العلمية في محاولة سبر أغوار العلاقة بين الميل و الشخصية ومن أهم الدراسات التي أجريت في هذا الصدد دراسة هولاند التي اتخذت "الاختبارات الخاصة بالميول المهنية كمؤشرات للشخصية" مدعمة بذلك الاتجاه نحو "التفسير المنتظم للميول في ضوء مفاهيم الشخصية" . بل ان أبو حطب و عثمان يرون أنه " ربما تكون اختبارات الميول أكثر كفاءة من عدد كبير من الاساليب الاخرى في قياس الشخصية نظرا لتنوع محتواها و زيادة تقبل الشخص لها "

          2. خصائص الميول :لخص سترونج خصائص الميول في ستة نقاط وهي:

          :1- إن الميل تعبير عن الرضا و لكنه ليس بالضرورة دليلا على الكفاية . فالميل إلى لعب كرة القدم لا يدل على المهارة في اتقانها

          .2- إن الميل أحد مظاهر الشخصية المتعددة و ليس ظاهرة سيكولوجية منفصلة

          .3- إن الميول المتوفرة لدى الإنسان لا تدل دلالة اكيدة على حدوث شيء في الماضي و لا تمكن من التنبؤ بدقة عن النجاح في المستقبل

          .4- إن معرفة ما يحبه الإنسان و ما يكرهه يمدنا بأساس طيب لتقدير ما حدث في الماضي وما يمكن أن يحدث في المستقبل

          .5- إن التقديرات المبنية على الميول , تشير إلى ما يريد ان يقوم به الإنسان و لكن لا تدل على ما يستطيع القيام به إلا بطريقة غير مباشرة

          .6- بالرغم من وجود علاقة بين الميول و القدرات , إلا أن الأخيرة لا يحبذ قياسها عن طريق اختبارات الميول .

          3. العوامل المؤثرة في الميول : تتأثر الميول بعدد من العوامل يمكن تصنيفها لصنفين رئيسيين تندرج تحت كل منهما العديد من المؤثرات , التي توجه ميول الافراد , و تحدد معالمها , و هما :

          اولا: العوامل الذاتية :و تشمل صفات الفرد الوراثية و درجة الذكاء وحالته الانفعالية و سماته الشخصية وخصائصه العقلية و الجسمية و جنسه ذكرا كان ام انثى و سنه و مرحلة النمو التي يمر بها .فعلى سبيل المثال توصل اكرمان و هيجساد إلى ان الاشخاص ذوي الذكاء المرتفع لديهم تنوع في الميولهم المهنية بدرجة أكبر من الافراد ذوي الذكاء المتدني ووجد أن هنال علاقة قوية بين العلامات المدرسية و تنوع الميول المهنية , ووجد ايضا علاقة إيجابية بين تنوع الميول المهنية و الانبساطية, , كما ان لنوع الجنس اثر كبير في تحديد معالم الميول السائدة عند الاشخاص " حيث نجد بصفة عامة أن الاولاد و الرجال اكثر ميلا نحو الامور العملية الخارجية و نحو الامور الثقافية و نواحي النشاط العنيف , بينما تتجه ميول البنات و النساء نحو الهوايات المنزلية و تربية الاطفال ", و يمكننا كذلك ان نلاحظ عامل السن و المرحلة العمرية "حيث نجد أن ميول الاطفال في المراحل الاولى تتجه نحو أنفسهم و نحو الطعام و نحو الوالدين و الجو المنزلي , ثم تتحول ميولهم عندما يكبروا قليلا بحيث يغلب فيها نواحي النشاط و كسب المهارات و التعليم , أما في المراهقة فيحدث فيها تغيير كبير في الميول و الاتجاهات العقلية حيث يحدث التحول نحو الامور الدينية و الاجتماعية و الخلقية و الجمالية, وفي الرجولة يتجه الميل و الاهتمام نحو تكوين العائلة و العمل و الانتاج , اما في الكبر فتتجه الميول نحو الاعمال المتصفة بالهدوء و البعد عن المنافسة " .

          ثانيا : العوامل البيئية :و تشمل كل ما يحيط بالفرد في منزله و دائرة اسرته و مدرسته و جيرته و مجتمعه بصورة عامة , فهي تشمل ميول الآباء و المستوى الاجتماعي و الاقتصادي , ومدى توفر فرص التدريب و الخبرة العملية لمزاولة ميوله , وأصدقاءه و الكتب التي يقرؤها , و الهوايات التي يزاولها و العادات و التقاليد و المثل السائدة في المجتمع و الطابع الثقافي الذي يميز الجماعة و المجتمع الذي ينتمي إليه و العصر الذي يعيش فيه. و يبدو ذلك جليا في اختلاف ميول أبناء البيئات الصناعية عن ميول أبناء البيئات الساحلية و الريفية , وكذلك اختلاف ميول الاشخاص الذين نشئوا في بيئات يغلب عليها الحرمان وميول الاشخاص الذين نشئوا في بيئات يغلب عليها الاعتدال و الحرية المسئولة

          4. أنواع الميول :تركز ادبيات علم النفس الصناعي و علم النفس فرع التوجيه المهني و التربوي على الدراسات الخاصة بالميول المهنية –التي سيأتي ذكرها بالتفصيل – إلا ان البعض منها – اي من المراجع التي اطلعت عليها الباحثة – يسلط الضوء على انواع الميول بشكل عام , وقد لوحظ التباين في التصنيفات التي تناولت انواع الميول بشكل عام , فنجد ان ”العبيدي و الجبوري“ صنفا الميول على أنها

          :1- ميول فطرية : " وهي تولد مع الوليد كالميل إلى الحركة و الميل إلى المشي أو الميل نحو الهوايات التي يغلب عليها عنصر اللعب . و السيطرة و حب الاستطلاع , أو الميل نحو الامور الاجتماعية .. وهذه الميول تكون اكثر ثبوتا

          "2-الميول المكتسبة او الاهتمامات : "وهي تظهر في الطفل بتأثير الاسرة و المدرسة و الوسط , وهي اقل ثبوتا و أسهل تحولا و اكثر قابلية للتغيير , كالميل إلى السباحة و الصيد و سباق الدراجات ... و المطالعة في الادب و العلوم

          اما ”عبد الهادي و العزة ”, فينحون منحى مختلف عن التصنيف السابق , فقد ميزا بين نوعين من الميول ألا وهي:

          :1-الميول العامة : " تمثل مجموعة من استجابات القبول نحو موضوع معين يحقق الرضا و السعادة للفرد حين يمارس ما يميل اليه , فطريقة قضاء وقت الفراغ تدل على نوع الميول لدى الفرد . و الافراد يختلفون في ميولهم , فهذا يمارس نشاطا رياضيا و آخر يطالع الكتب

          ..."2-الميول المهنية : " وهي مجموعة استجابات القبول التي تتعلق بنشاط مهني معين يتخذه الفرد لكسب رزقه .وقد اشار سترونج إلى أن الميول المهنية تمتاز عن الميول العامة بأنها أكثر ثباتا و استقرارا .و يقرر ”أبو سعد و الهواري ”أن بعض علماء النفس " يميز بين الميول المهنية و الميول اللامهنية . فالأنشطة التي يمارسها الفرد في أوقات الفراغ و يجد فيها متعته تعرف بالميول اللامهنية" , أما الميول المهنية "فهي تلك التي تتعلق بمهنة يمارسها الانسان , كما ان درجة الفرد في الميل المهني يمكن أن تتأثر بالظروف الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية في الوقت الذي تقل فيه تأثر الميول اللامهنية يمثل هذه الظروف "هذا و يبدو أن التصنيفين الاخيران لأنواع الميول يتفقان فيما بينهما في المضمون وان اختلفت المسميات للنوع الاول من الميول , وهما ينسجمان كذلك مع طبيعة الدراسات التي خصت الميول المهنية بمزيد من العناية , مما يجعل ادراجها تحت هذان التصنيفان اكثر منطقية من سواه من التصنيفات.


          • المحاضرة الخامسة: الميول المهنية



            يوضح ”نزال“ في دراسته عن الميول المهنية أن الاختيار المهني قد نال اهتمام الباحثين في العلوم الاجتماعية خلال القرن الماضي " لما يمثله من اهمية لكل من الفرد و الاسرة و المجتمع , ومع التطور السريع في عالم المهن من حيث التنوع و المتطلبات , اضافة إلى التطور التكنولوجي السريع , اصبح من المهم البحث في وسائل و طرق لمساعدة الفرد في هذه العملية, و تعتمد عملية الاختيار المهني على معرفة الفرد لنفسه من حيث القدرات و الميول و السمات الشخصية و صحة جسمه و ظروف بيئته و معرفة الفرد للمهن المختلفة , وما تتطلبه من قدرات وما تقدمه من مكافأت و فرص عمل ".و قد حظيت الميول و خاصة المهنية بجانب كبير من عناية علماء النفس كونها عامل مهم في التوجه المهني للفرد و شعوره بالرضا نحو نفسه و مهنته , و يعتبر عام 1927 م البداية الحقيقية للدراسات الخاصة بالميول بصفة عامة و الميول المهنية بصفة خاصة , ذلك ان العالم سترونج نشر خلال تلك السنة نتيجة أبحاثه حول الميول المهنية حيث عرف " سترونج الميل المهني في ضوء مشاعر التقبل و عدم التقبل للأنشطة المختلفة , حيث يرى ان كل شخص يشارك في الانشطة التي يفضلها و يتعلق بأي منها طبقا لدرجة تقبله أو عدم تقبله لها” وقد توج أبحاثه بإنشاءه لأول مقياس للميول في تاريخ القياس النفسي و الموسوم بـ " صحيفة الميول المهنية ", و التي تعرضت بدورها إلى العديد من التعديلات كما انها دشنت عصر جديد لدراسات اكثر تخصصية في مجال الميول المهنية شملت العديد من النظريات و المقاييس التي حاولت سبر أغوار هذا الجانب من شخصية الفرد مستعينة بأدوات البحث العلمي رغبة في توجيه نتائجه لخدمة العلم و البشرية .

            -1 تعريف الميول المهنية :

             1-تعريف أوسكار 1948 م :عرف أوسكار الميول المهنية بأنها " السمات الشخصية ذات الدلالة بالنسبة للنجاح المهني و الشعور بالرضا عن المهنة . وهذه السمات تظهر في اختبارات الميول و اختبارات القيم

            ”2-تعريف صالح 1972م :الميل المهني ليس عبارة عن وحدة نفسية و لكنه يشمل مجموعة من نواحي السلوك المختلفة . وهذا يدل على ان الميل المهني تنظيم سلوكي معقد يتعلق بمجموع استجابات قبول نحو نشاط مهني معين.

            -2 نظريات الميول المهنية و الاختيار المهني :

            أولا : نظرية سوبر:طور سوبر 1979م نظرية في الاختيار المهني اعتمادا على المراحل العمرية التي يمر بها الفرد و مبنية على الافتراضات التالية :-أن الافراد يختلفون في الميول و القدرات و الاستعداد و سمات الشخصية .-ان كل فرد يصلح للعمل في عدد من المهن على أساس ما لديه من قدرات و ميول و سمات .-أن كل مهنة تتطلب نموذجا محددا من القدرات و الميول .-ان اختيار احدى المهن و التكيف معها عملية مستمرة .-تتحدد طبيعة العمل الذي يلتحق به الفرد عن طريق المستوى الاجتماعي و الاقتصادي لوالديه , فأولياء الامور ذوي المستوى الاقتصادي و الاجتماعي بإمكانهم توفير الظروف و الامكانيات لدراسة أبنائهم .-يمكن التأثير على عملية النمو المهني في مراحل الحياة المتعددة من خلال التأثير على القدرات و الاستعدادات و الميول و بالتالي التأثير على اختيار المهنة .-ان عملية النمو المهني هي عملية نمو و تطور لمفهوم الذات لدى الفرد .-يزداد رضا الفرد عن عمله بناءا على مدى توافق هذا العمل مع قدراته و رغباته و ميوله .ان المهمات التطورية المهنية التي تظهر خلال مرحلة النمو لغاية عمر 14 سنة تتضمن تنمية توجهات الفرد نحو العمل و البدء بترجمة القيم الذاتية إلى قيم عمل , ويمكن تنمية هذه المهمات من خلال الاسرة و المجتمع .  

            ثانيا : نظرية هولاند :قام هولاند بتطوير نظرية في الاختيار المهني قائمة على أن اختيار الافراد للمهن انما يعبر عن شخصياتهم المهنية , بالرغم من أنه يختار بناءا على ميوله و قدراته و رغبات الاهل و الاصدقاء , وقد بنى هولاند نظريته في الاختيار المهني على الافتراضات التالية :-الاختبار المهني هو سلوك يعكس فيه الفرد شخصيته و ميوله و قدراته .-المهن المختلفة تشبع حاجات الافراد النفسية المختلفة .-يتم الاختيار المهني يناء على معرفة الشخص ببيئات العمل المختلفة .-يتجه الافراد نحو المهن التي تناسب شخصياتهم .-مقاييس الشخصية و مقاييس الميول المهنية تعطي نفس النتائج و ان اختلفت محتوياتها .و بناءا على هذه الافتراضات وضع هولاند بيئات العمل الستة وهي:

             :1- البيئة الواقعية : المهن في هذه البيئة تحتاج إلى جهد بدني واضح مثل المزارع و ميكانيكي السيارات و تحتاج هذه البيئة إلى مهارة الصبر و الحركة

             .2- البيئة البحثية : المهن في هذه البيئة تحتاج إلى التعامل مع الارقام و الادوات الدقيقة و يلزم هذه البيئة كثير من الذكاء و الابداع , مثل المخثبر و المكتبة

            3- البيئة الاجتماعية : المهن في هذه البيئة تحتاج إلى قدرة على التعامل و التفاعل مع الاخرين وفهم سلوكياتهم ومن أمثلتها المهن التعليمية و التمريضية

             .4- البيئة التقليدية : المهن في هذه البيئة تحكمها القوانين و الانظمة و المعلومات الرياضية و اللغوية مثل المحاسبة

            5- البيئة المغامرة : المهن في هذه البيئة تتطلب مقدرة لغوية و اجتماعية لأنها تعتمد على الاقناع و التعامل مع الاخرين مثل السياسة و المبيعات

             .6- البيئة الفنية : المهن في هذه البيئة تتطلب مهارة في التخيل وفي فهم أذواق و مشاعر الآخرين مثل : الموسيقى و تصميم صفحات الانترنت .و تبعا لذلك يرى هولاند أنه يمكن تصنيف معظم الناس تبعا لميولهم المهنية في ستة أنماط رئيسية وهي :1- الواقعي العقلاني[ الفني الاجتماعي المغامر التقليديكما يرى هولاند ان أصحاب هذه الانماط يبحثون دائما عن الاعمال و المهن التي تلائم نمط شخصياتهم و تعبر عن ميولهم المهنية .


            ثالثا : نظرية باندورا :يفترض باندورا أن تصورات الافراد نحو انفسهم خلال تأدية المهمات المنوي انجازها تتوسط بين ما يعرفه الفرد و اعتقاده في قدرته على انجاز هذه المهمة .ان الكفاءة الذاتية و توقعات المخرجات هي تصورات الفرد للواقع , وقد تكون التصورات مطابقة للواقع أو غير واقعية , وتؤثر متغيرات الفروقات الفردية و الديموغرافية مع المتغيرات الاخرى على خبرات التعلم , التي تلعب دورا في تشكيل اعتقادات الكفاءة الذاتية , والتي بدورها ترتبط بمخرجات الفرد و خياراته , فالطالب القادم من خلفيات تعليمية عالية و الذي يذهب إلى الندوات التعليمية و الورش التدريبية لاكتساب مهارة لمساعدة الناس , والذي يتم تعزيزه من قبل ذويه و الاصدقاء , سيطور اعتقادا قوي يقود إلى مخرجات ايجابية مثل الالتحاق بالجامعة مطورا ميولا نحو إحدى التخصصات التي توفر له فرصة لمساعدة الناس, و المرشد حسب النظرية المعرفية الاجتماعية يركز على خبرات التعلم التي ترتبط باعتقادات الكفاءة الذاتية و توقعات المخرجات , لأنها تؤدي إلى نشاطات و ميول مهنية يمكن تنميتها .


            رابعا : نظرية آن رو:بنت آن رو نظريتها في الاختيار المهني على افتراض أن العناصر الاساسية للشخصية تعود إلى التفاعلات المبكرة بين الآباء و الأبناء وهي التي تحدد بالتالي توجهات الأبناء نحو المهن , فإذا كانت العلاقة قائمة على التقبل و الاحترام , فإن الاطفال سوف يهتمون بمهن تتعلق ممارستها بالناس , وإذا كانت العلاقة قائمة على الخوف و القلق فإن الابناء سوف يهتمون بمهن مرتبطة بالأشياء .وترى رو وجود ثلاثة أنواع من العلاقات العاطفية بين الآباء و الأبناء :-الحماية الزائدة : وفي هذا النمط يحدد الآباء اختيار الاصدقاء و الخبرات , ويوجهون ابنائهم نحو السلوكيات التي تلقي موافقتهم , وفي العادة يوجه الابناء هنا إلى مهن تتعلق بالناس .-التجنب : في هذا النمط يتعرض الطفل إلى الرفض و الاهمال و التجنب و يعاني من عدم اشباع حاجاته و يتردد في اتخاذ قراراته .-التقبل : في هذا النمط من الرعاية يشعر الابناء بالمحبة المستمرة و يقوم الآباء بمساعدتهم دون سيطرة أو عقاب.

             

            خامسا : الاتجاه المتوافق ثقافيا :مع نهايات القرن الماضي , بدأ اتجاه جديد يبرز إلى حيز الوجود , غير مستند إلى إطار نظري محدد كالنظريات السابقة و إنما يأخد بالحسبان الأنساق الثقافية الموجودة في المجتمع . و تشكل الانساق الثقافية و المعرفية في المجتمع عوامل ديموغرافية تضغط على المخططون و اصحاب العمل و التربويون لجعل هذه العوامل تعمل بانسجام . حيث يتشرب الافراد منهجهم الحياتي من خلال عوامل تشمل جندريتهم و هويتهم المعرفية و المكانة الاجتماعية و الاقتصادية , وحتى إعاقتهم و بالتالي ساهمت في بناء بيئاتهم و كيفية استجابتهم , ومنها نشاطهم و ميولهم نحو المهن و الاعمال . يطور أفراد هذه الانساق ميول تتناسب مع المكانة و القيم التي يعطيها نسقهم الثقافي , كما يعبرون عنها بنشاطات قد تبدو غير مألوفة أو مقبولة للآخرين.و من خلال استعراضنا للنظريات و الاتجاهات التي تناولت في سياقها موضوع الميول المهنية , فإننا نلاحظ أن عامل البيئة المحيطة بالفرد بكل ما تحمله من معنى خاص بالفرد ذاته لها دور كبير في توجيه سمات شخصيته و بالتالي ميوله و إن اختلفت القراءات من نظرية لأخرى لهذا العامل .

             

            -3 أنواع الميول المهنية :لقد حظيت الميول المهنية بالعديد من الدراسات التي تنوعت أساساتها وافتراضاتها المنطقية والمنهجية التي تنطلق منها , لذا نجد تنوع في التصنيفات الخاصة بالميول المهنية و قد عرضنا احدها خلال حديثنا عن نظرية هولاند , ولكن يجدر بنا ان نستعرض خلال هذه الاسطر تصنيفات العلماء الاخرين , "فقد صنف كيودر الميول المهنية إلى 10 ميول وهي :1- الميل الخلوي الميل الميكانيكي 3- الميل الحسابي الميل العلمي الميل الاقناعي6- الميل الفني الميل الادبي الميل للخدمة الاجتماعية الميل الكتابي الميل الموسيقي "و يرى ”عكاشة“بأنه " يوجد بعض التداخل بين قائمة كيودر و قائمة سترونج إلا ان قائمة كيودور تبدو أكثر شمولا " . وقد أجرى جيلفورد و زملائه دراسة شاملة عام 1954م , توصلوا من خلالها إلى قائمتين بنوعي الميول ( المهنية و اللامهنية ) و تشمل :

            اولا: الميول المهنية :1- الميل العلمي 2- الميل الجماعي 3- الميل للخدمة الاجتماعية 4- الميل التجاري و الاداري الميل للأعمال الكتابية الميل الميكانيكي الميل للعمل في الخلاء الميل للطيران .

            ثانيا: الميول اللامهنية :1- الميل للمناظرة 2- الميل إلى اللعب و التسلية 3- الميل إلى التنوع 4- الميل إلى الدقة و الانتباه الميل إلى الثقافة (المعلومات) العامة الميل إلى التذوق الجمالي الميل إلى البساطة .و قد اشار ”أبوأسعد و الهواري“ إلى الدراسة التي اعدها جابر عبد الحميد و التي نتج عنها تصنيف للميول المهنية تضمن 15 ميلا, تشابهت الميول العشرة الاولى منها مع تصنيف كيودر للميول المهنية بالإضافة إلى خمسة ميول أخرى وهي : الميل للرياضة البدنية , الميل للعمل التجاري , الميل إلى المخاطرة , الميل إلى المسايرة , الميل إلى النظام .

             

            -4 قياس الميول المهنية :تقاس الميول عامة و الميول المهنية خاصة بطريقتين وهي:

            :1- الوسائل الغير مقننة: و تشمل:

            أ- الملاحظة : و تعتمد على ملاحظة نشاط و سلوك الفرد في مواقف محددة 

            .ب- المقابلة : و تتلخص في سؤال الفرد بشكل مباشر عن ما يحبه أو يكرهه من المهن .

            ج- سلالم التقدير : وهي طريقة لتحسين طريقة الملاحظة و المقابلة في محاولة الكشف عن الميول المهنية عند الافراد.

             د- اختبارات المعرفة (الاختبارات المعرفية ) : و تقوم هذه الاختبارات على افتراض أن الشخص إذا كانت له رغبة في مهنة من المهن , فإنه يكثر من تحصيل المعلومات عنها بالمقارنة مع الناس الآخرين 

            .هـ- اختبارات الصور : وهو اسلوب من أساليب اختبارات المعلومات حيث يعرض على المفحوص مجموعة من الصور تشير إلى معلومات عن مهن مختلفة , ويقاس الميل نحو مهنة معينة بمقدار المعلومات و الحقائق التي يحتفظ بها المفحوص عن المهن التي عرضت في الصور .

            ز- طريقة التفضيل : و تتمثل الطريقة بتقديم قوائم تضم اعدادا كبيرة من الفقرات المتعلقة بنشاطات مهنية متنوعة و يطلب من الفرد أن يرتب الفقرات حسب أهميتها بالنسبة له , و ذلك يعتبر إشارة على وجود الميل لمهنة دون أخرى

            :2- الوسائل المقننة :وتمتاز عن سابقتها , بأنها مقاييس و اختبارات تتصف بالصدق و الثبات , مثل اختبار سترونج و اختبار كيودر , وتقوم على أساس مجموعة من المسلمات المتمثلة في الآتي:

            :1- الميول غير مستقرة عند الاطفال ولكنها تتجه نحو الاستقرار في نهاية مرحلة المراهقة و يقل حدوث تغيير كبير فيها بعد سن الخامسة و العشرين

            .2- الميول عند الاشخاص متعددة و متنوعة من حيث موضوعها , وقد يشترك أشخاص من مهن مختلفة في عدد من ميولهم وقد يختلفون في عدد آخر منها

            .3-يتفاوت الميل من حيث الشدة وقد يكون لدى الشخص أقوى في مرحلة من عمره مما هو في مرحلة أخرى . وقد يكون أكثر شدة عند شخص مما هو عند آخر

            .4- يحتل الميل عند الشخص مكانة الدافع و الميل يحرضه للقيام بالعمل و يوجه فعالياته حتى ينطلق نحو ذلك العمل .

            -5 بعض مقاييس الميول المهنية المقننة :

            1-مقياس سترونج للميول المهنية :يستخدم اختبار سترونج للميول المهنية عادة في التوجيه المهني و التوجيه التربوي و لكنه لا يستخدم عادة في عملية الاختيار أو التصنيف, و قد كان المقياس يحتوي على صورتين احدهما للذكور و الاخرى للإناث, وقد دمجت الصورتين سنة 1970 في مقياس واحد يتكون من 325 فقرة , تم اختيارها من فقرات المقياسين المنفصلين, و اشتمل المقياس على المقاييس الفرعية التالية :اختيار المهن , الموضوعات الدراسية , النشاطات التي يمارسها الشخص , الهوايات و مجالات التسلية , اختبار نوعية الناس الذين يرغب الفرد في العمل معهم , المفاضلة بين نشاطين , الصفات الشخصية .كما تضمن المقياس على اربع مقاييس غير مهنية وهي : مقياس نضج الميل , مقياس الذكورة و الانوثة , مقياس المستوى المهني مقياس التحصيل الاكاديمي .

            يمكنك أن تجري اختبار لمقياس سترونج لمعرفة ميولك المهنية، بالضغط على الرابط التالي: 

            https://www.bokrajobs-sy.org/ar/strongTest.php

             

            مقياس كيودر للميول المهنية :وضع كيودر هذا الاختبار و اتبع منهجا مختلفا , بل مضادا لمنهج سترونج في اختيار و تصحيح عناصر الاختبار . لقد كان هدفه الرئيسي هو بيان الميل النسبي في عدد صغير من المجالات الواسعة وليس في مهن بذاتها و قد صيغت عباراته أصلا بناءا على اساس صدق المحتوى.

             مقياس مينسوتا للميول المهنية :يستعمل هذا المقياس لمقارنة ميول الافراد بميول أولئك الذين يعملون في مهن خاصة مثل مهن : الفران , النجار , الكهربائي, وقد صمم هذا المقياس لقياس ميول الراغبين في الاشتغال بالحرف المهنية المختلفة و ميول الدارسين لمرحلة ما قبل الجامعة أو ميول الملتحقين بالمدارس الصناعية و مراكز التدريب المهنية 

            مقياس هولاند للميول المهنية :يستند مقياس هولاند على نظريته الخاصة بالعلاقة الوثيقة بين شخصية الفرد و ميوله المهنية , حيث يقرر أن " الاختيار المهني يعبر عن السمات الشخصية للفرد بالإضافة إلى ميوله و قدراته و استعداداته