الأستاذة براهمي نصيرة
أستاذة حديثة التوظيف جامعة محمد خيضر بسكرة
مقياس الحركة الوطنية سنة ثالثة تاريخ عام
عنوان الدرس : النضال السياسي الجزائري 1919-1944
المعارف القبلية : 1) أن يكون الطالب على علم بالمقاومات المسلحة التي قادها الجزائريون طوال القرن 18 ومطلع القرن 19.
2) ان يكون الطالب على علم بالسياسة الاستعمارية الفرنسية المبنية على مصادرة الاراضي وتهجير الجزائريين وتجويعهم وتجهيلهم وإخضاعهم للقوانين الاستثنائية وكذا على تشجيع الاستيطان.
الاهداف: 1) معرفة الطالب أنه مع بداية القرن العشرين وبعد فشل المقاومات المسلحة ظهر الكفاح السياسي كبديل
2) معرفة التيارات المختلفة للحركة الوطنية مطالبها ووسائلها .
3) معرفة أن التكوين والبيئة التي مر بها رئيس كل حزب أثر على نوع الحركة التي أسسها.
4) معرفة زعماء الحركة الوطنية شخصياتهم، أفكارهم وتوجههم .
مقدمة :
قاوم الجزائريون الاستعمار الفرنسي منذ أن وطأت أقدامه التراب الوطني، بدءا بالمقاومة في العاصمة، فمقاومة الشرق يقيادة احمد باي ومقاومة الامير عبد القادر في الغرب ، ثم مقاومة الزعاطشة ومقاومة بلاد القبائل وكذا مقاومة المقراني وغيرها من الانتفاضات التي انتهى بها القرن 19 أو تلك التي نشبت في مطلع القرن العشرين مثل ثورة بني شقران وثورة الاوراس 1916 ، فشلت هذه المقاومات المسلحة لعدة أسباب منها عدم التكافؤ، عدم التنسيق، الافتقار للتنظيم ،وكذا غياب الشمولية وغياب التزامن.
تميز القرن العشرين بظهور نهضة وحركة فكرية تملثت في طبع بعض المؤلفات ، وفي تأسيس نوادي وجمعيات ثقافية وصحافة ، كما تميز باتخاذ الجزائريين النضال السياسي كوسيلة للتعبير عن أفكارهم ومطالبهم وأهمها الاستقلال، تنوعت اتجاهات هذا النضال كما تنوعت مطالبهم ووسائلهم.
1- مفهوم النضال السياسي
هو نشاط مجموعة الأحزاب التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى وعملت على ترقية وتوعية الشعب الجزائري سياسيا ودينيا واجتماعيا، والدفاع عن مصالحه لتحقيق استقلاله سلميا فالنضال السياسي يعبر عن مفهوم الوطنية وحب الوطن وتمارسه النخب السياسية والطبقة المثقفة في شكل جمعيات وأحزاب ونوادي وغيرها، وبالرغم من اختلاف أطياف هذا النضال لكن كلها تهدف إلى التحرر منن قيد الاستعمار الفرنسي، وهناك من يعرفه بأنها كل سلوك أبداه الشعب الجزائري ضد الغزاة الفرنسيين بكل الوسائل المختلفة.
2- عوامل نشأة النضال السياسي
أ- عوامل عسكرية:
تمثلت في فشل المقومات الشعبية بالرغم من أن هذه المقاومات أحدثت الارتباك والذهول والحيرة لدى المجتمع الجزائري لكن لم تؤدي إلى فقدان الأمل في استرجاع السيادة الوطنية كما كانت تعبر عن التفكير المنطقي والصحيح في ايجاد الطريق الصحيح للقضاء على النظام الاستعماري ومن خلال هذا المنطلق تكونت مجموعة من التيارات اختلف منهجها وطرق مواجهتها للنظام الاستعماري وكان هدفها واحد هو استقلال الشعب الجزائري، وكانت مشاركة الجزائريين في صفوف الحرب العالمية الأولى من المواقف التي أكسبتهم الوعي القومي والوطني.
ب- عوامل سياسية:
- فرض قوانين استثنائية (قوانين الانديجينا)
- التجنيد الاجباري 1912
- الهجرة الجزائرية إلى العالم الاسلامي أو إلى أوروبا
ج- عوامل ثقافية واجتماعية:
- محاولة طمس عناصر الهوية الوطنية وزرع فكر غربي وتمسيح الجزائريين
- ترسيم اللغة الفرنسية في المدارس والقضاء على التعليم العربي
- حركة الاصلاح في المشرق بقيادة جمال الدين الأفغاني وتأثر الجزائريين بها
- الحركة القومية الأوروبية وتأثيرها على المهاجرين الجزائريين
- سياسة مصادرة الأراضي ومنحها للمستوطنين
- تفشي الأوبئة والبؤس والمجاعات
- استغلال الثروات الجزائرية لصالح الاقتصاد الفرنسي
- استغلال أيدي الجزائريين العاملة بأسعار بخسة
- تدهور الاقتصاد الجزائري وتدني مستوى معيشة الفرد الجزائري
كل هذه العوامل أدت إلى ضرورة التفكير في صيغة جديدة من الكفاح تمثلت في النضال السياسي، والواقع أن الفضل يعود إلى المهاجرين الجزائريين في فرنسا الذين سمح لهم احتكاكهم وخاصة النخبة الثائرة على الظاهرة الاستعمارية، اضافة إلى ما عرفه العالم من تغيرات اقتصادية وسياسية واجتماعية ولذلك غير الجزائريون أسلوب كفاحهم للحصول على التحرر أو على الأقل المساواة في الحقوق والواجبات وإلغاء القوانين الاستثنائية وتحسين ظروف الجزائريين فبرزت نهضة فكرية واعلامية تحت قيادة نخبة جزائرية من أهم نتائجها تبلور الفكر الوطني والقومي، أهم اتجاهاته:
- اتجاه المساواة:
مثله الأمير خالد الذي بدأ مساره السياسي مع مطلع القرن 20 ، وفي سنة 1919 شارك في الانتخابات المحلية وفاز فيها بمقاعد في المجلس البلدي للعاصمة ، رفض التجنيس والاندماج والتغريب ودافع عن الانتماء الحضاري للجزائريين مما جلب له الكثير من المتاعب، طالب الأمير خالد بتحقيق المساواة بين الأغلبية المسلمة والأقلية الأوروبية المستعمرة وقد أدى هذا إلى انتشار نوادي فكرية، طرح الأمير خالد فكرة تقرير مصير الجزائريين من خلال إيصال صوت الجزائر إلى مؤتمر الصلح 19 ماي 1919 من خلال االمطالب المرسلة وفق الوفد الجزائري إلى الرئيس الامريكي ويلسون، ولايصال أفكاره أسس الأمير خالذ جريدة الإقدام سنة 1920 كشف من خلالها جور السياسة الاستعمارية وفضح تعسف الادارة الفرنسية تجاه الجزائريين، كما ركز الأمير خالد في مطالب حركته على ربط العمالات ربطا مباشرا والغاء البلديات المختلطة، في جانفي 1922 أسس حزب الايخاء الجزائري وطالب بتحسين أوضاع الجزائريون وبالتمثيل البرلماني وبالمساواة وهذا ما أزعج السلطات الفرنسية فقامت بنفيه إلى فرنسا، لكنه لم ييأس وواصل نشاطه بالاتصال مع الجالية المغربية.
- الإتجاه الاستقلالي:
نشأ حزب نجم شمال افريقيا في مارس 1926 في باريس على يد جماعة من أهالي افريقيا الشمالية وتم تعيين الأمير خالد رئيسا شرفيا له ومع مرور الوقت فقد الحزب كل الأعضاء التونسيين والمغاربة وأصبحت الجمعية جزائرية خالصة مهمتها هي الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للعمال المغاربة في المهجر، نال دعم الأوساط اليسارية من الفرنسيين، تمثلت نشاطاته في المنشورات والصحف والمؤتمرات، انطلاقا من 1927 أصبحت مطالب النجم أكثر راديكالية وسياسية حيث طالب بالاستقلال، ولمواقفه الوطنية تم حله سنة 1929 ليبقى تحت العمل السري، ليعيده مصالي الحاج للعمل سنة 1933 تحت اسم نجم شمال افريقيا المجيد والذي تم تسميته مرة أخرى بالاتحاد الوطني لمسلمي شمال افريقيا، ولقد وقف حزب النجم مواقف هامة من قضايا عديدة نذكر منها:الاحتفال الفرنسي بالذكرى المئوية لاحتلال الجزائر، إفتتاح مسجد باريس 1927، حوادث يهود قسنطينة سنة 1934، مؤتمر مسلمي أوروبا بجنيف 1935، وصول الجبهة الشعبية للحكم، المؤتمر الاسلامي الجزائري 1936 ، هذا المؤتمر الذي من خلاله ولد أول إئتلاف سياسي، وقد تم تغيير حزب النجم إلى حزب الشعب كتيار استقلالي محض سنة 1937 طالب بالاستقلال التام، انشاء جيش وطني شعبي، الغاء القوانين الاستثنائية، اطلاق صراح المعتقلين السياسيين، حرية الصحافة، حق الجزائريين في التعليم، تأمين الملكيات الكبيرة للمستوطنين، أسس هذا الحزب لنشر أفكاره وتقديم مطالبه جريدة الأمة، ونظرا لأفكارها الراديكاية صادرتها الادارة الفرنسية لتستبدل بجريدة البرلمان، شارك هذا الحزب في الانتخابات المحلية الا أن الادارة قامت بتزويرها، وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية ونظرا لموقف الحزب الرافض لمشاركة الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي تم حل الحزب مرة أخرى.
- الاتجاه الادماجي:
- هم جماعة النخبة والمثقفين بالثقافة الفرنسية بدأ نشاطهم تحت اسم حركة الشبان الجزائريين بدأت مطابهم اجتماعية ثم تحولت إلى سياسية من أشهر رجالها فرحات عباس والدكتور بن جلول والدكتور الأخضري، كانت الانطلاقة بتأسيس فيدرالية النواب المسلمين الجزائريين 1927 طالبت بتمكين الجزائريين من التمثبل البرلماني، المساواة في التوظيف والأجور والخدمة العسكرية، الغاء قانون الأهالي، الحق في تعليم الجزائريين، اصلاح نظام التمثيل النيابي في المجالس المنتخبة دمج الجزائريين بالكيان الفرنسي
دعا هذا الاتجاه إلى انتهاج سياسة الاندماج مع احتفاظ الشعب الجزائري بهويته الاسلامية أي ان يكون مسلم فرنسي مما جعل السلطات الفرنسية ترفض سنة 1933 مطالب وفده المدافعة عن مشروع بلوم فيولات وللتذكير فإن الطلاق بين الزعيمين جلول وفرحات برز في الثلاثينات حول من يتزعم النخبة الليبرالية إذ كانت لابن جلول مرجعية عائلية وحضوة كبيرة ونفوذ واسع بل وبراعة خطابية مكنته من البروز على الساحة السياسية، في حين لم يرقى عباس إلى ذلك السلم الاجتماعي تميز بالبساطة المتوقعة فعائلته كانت أقل شأنا من عائلة بن جلول، والظاهر أن عباس كان عنيدا وتمكن من فرض مكانته وسط المجتمع بعد أن عرف كيف يستغل المحيط المتواجد فيه وعلاقته بالادارة الفرنسية وخصوصا مديرية الشؤون الأهلية... وعدة عوامل مكنته من البروز كقطب سياسي متميز .
والواقع أن هذا الاتجاه كان متذبذبا بين الجزائر وإسلامها وبين فرنسا وحضارتها حتى كتب فرحات عباس في جريدة الوفاق فرنسا هي أنا، وفي سنة 1938 أسس فرحات عباس حزب التجمع الشعبي الجزائري والذي وافق على تجنيد الجزائريين في صفوف القوات الفرنسية، وقدم للحلفاء العسكريين سنة 1942 طلب يدعوهم فيه إلى القيام بإصلاحات وأسس في فيفري 1943 البيان الجزائري والذي لم يأبه له وفي سنة 1944 دعى بقية التيارات إلى تأسيس ما يسمى بأحباب البيان والحرية، وهذا الاتحاد يعد بمثابة المحاولة السياسية الثانية بعد المؤتمر الاسلامي بهدف جمع شتات القوى الحية في البلاد ،ولقد تم إيداع الفانون الاساسي لاحباب البيان والحرية بتاريخ 14 أفريل 1944 وإستوحى برنامجه من بيان 10 فيفري 1943 وهذا يعني خاصة الوقوف في وجه العنف الامبريالي في افريقيا وآسيا والعمل من أجل فكرة أمة جزائرية ودستور لجمهورية مستقلة، كان هذا البرنامج نتيجة لتفاهم بين أنصار الاستقلال والعناصر المعتدلة القابلة لفكرة وطن جزائري.
كان دور هذا الاتجاه ادفاع عن القضية الوطنية لكن ضمن اطار غير مناسب ووسائل غير مجدية فكان مشروع الادماج بحد ذاته قد ولد ميتا متناقض تماما مع الهوية والانتماء الحضاري للشعب الجزائري ومع ذلك فقد ساهموا في احياء اليقظة السياسية
- الاتجاه الاصلاحي:
- الحركة الاصلاحية تهدف إلى احياء الحضارة الاسلامية والرجوع إلى الاسلام الصحيح والخروج من مرحلة الجمود والركود الفكري إلى النهوض الفكري وقد ظهر هذا الاتجاه بسبب عدة عوامل: التأثر بأفكار محمد عبده ورشيد رضا، التطور الفكري والوعي القومي الذي انتشر في صفوف الجزائريين بعد الحرب العالمية الأولى، دور عبد الحميد ابن باديس في احداث ثورة تعليمية بالجزائر، تزعم هذا الاتجاه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
تأسست هذه الجمعية في ماي 1931 في العاصمة بمبادرة من الامام عبد الحميد بن باديس و71 عالم بنادي الترقي وضم المجلس الاداري للجمعية 13 عضوا برئاسة الشيخ بن باديس ركزت مطالب الاصلاحيين على الجانب العقائدي، تقويم المجتمع الجزائري وارجاعه إلى منابع الاسلام الصحيحة وذلك بمحاربة الشعوذة والطرقية المنحرفة، طالب الاتجاه الاصلاحي بالآتي: اعادة المساجد والأوقاف، استقلالية القضاء، حرية لتعليم باللغة العربية، استعادة سيادة الدولة الجزائرية، الدفاع عن كيان الدولة الجزائرية وانتمائها الحضاري العربي الاسلامي، ربط المسلمين بتاريخهم ودينهم، تقوية الروابط بين العالم العربي والاسلامي، محاربة سياسة الادماج، نشأة الاجيال تنشئة دينية.
ركز التيار الاصلاحي على احياء التعليم العربي، انشاء المدارس العربية وفتحها عبر كامل التراب الوطني، واحياء اللغة العربية، واستخدم في تبليغ رسالته الجرائد والصحف أهمها جريدة الشهاب، صدى الصحراء والبصائر، توفي الشيخ عبد الحميد بن باديس في 16 أفريل 1940 خلف بصمته وآثاره في الفكر الاصلاحي، ربط الجزائر بالجزائريين وبالعالم الاسلامي، بعث التعليم العربي من جديد وكذا الحث على الرجوع إلى الاسلام الصحيح، حارب التجنس والادماج .
خاتمة
-ظهور النضال السياسي كان حتمية للسياسة الاستعمارية الجائرة والتي أغلقت مايسمى بباب الكفاح المسلح
-كما كان على الجزائريين ايجاد كفاح اخر بديل
- التاثر بالظروف المحلية والدولية أدى إلى ظهور نهضة الجزائر مع مطلع القرن العشرين
- كانت الهجرة والحرب اعالمية الاولى من اهم العوامل التي أدت إلى تكون وعي سياسي لدى الجزائريين
- تعددت أوجه النضال السياسي بالجزائر كما تعددت ووسائلهم ومطالبهم لكنها في مجملها تعبر عن وطنية الجزائريين وتشبعهم بالحس الوطني .
مصادر ومراجع الدرس:
1- Ahmed Mahses: Le mouvement revolutionnaire en Algerie, Armattan Paris, 1979.
2- بن يوسف بن خدة: جذور أول نوفمبر 1954، دار هومه، الجزائر، 2010.
3- محفوظ قداش: تاريخ الحركة الوطنية، الجزء 1، دار الأمة، الجزائر، 2008.
4- أحمد مريوش: محاضرات في تارخ الجزائر 1900-1954، الجزء 2، كنوز الحكمة، الجزائر، 2013.
5- الطيب لباز: الحركة الوطنية الجزائرية، المجلة آفاق للعلوم، مجلد 6، عدد 3، 2021.
- Enseignant: nacira brahmi