ألمحاضرة الأولى (01) :
1.نشأة و تطور مفهوم الصدمة النفسية :
1.1.البدايات الأولى : كانت البداية الأولى مع قصة حرب رواها هيرودوت (Herodote) حول معركة ماراتون (Marathon) اليونانية سنة 490 ق م و التي عانى فيها محارب يدعى أبيزولوس ( Epizelos) طيلة حياته من فقد البصر بعد مشاهدته لحادث صادم و المتمثل في فتل أحد المحاربين لخصمه أمام عينيه، مما يذكر بحالة أطلق عليها فيما بعد أسماء "العمى الهستيرة" و "العصاب الصدمي" . و في القرن السادس عاشر بعد الميلاد كان ملك فرنسا شارل التاسع Charles IX قد اعترف لطبيبه الخاص بعد أيام من تدمير قرية سان برتيلمي في شهر أوت من سنة 1572 بأنه يرى أحلاما مفزعة صدمية و يعاني من أعراض جسمية ناتجة عن القلق و الرعب. أما في القرن السابع عاشر بعد الميلاد جاءت قصة فيليب بينال Philippe Pinel التي يتحدث فيهت عن صدمة نفسية تعرض لها الفيلسوف الفرنسي بلاز باسكال Blaise Pascal سنة 1630 حين كاد أن يقع في نهر السين la Seine بعربته و بقي لمدة 8 سنوات و هو يعاني من حالة اعادة معايشة للحادث Reviviscence .
2.1.مرحلة الملاحظات الطبية ( بين القرن السابع عاشر و القرن التاسع عاشر): لقد بدأت الملاحظات الأولى للاضطرابات النفسية المرتبطة بالصدمات الناتجة عن الحروب و النزاعات في القرن السابع عاشر بعد الميلاد، حيث كانت الأبحاث الطبية الفلسفية لفيليب بينال تشير الى عدة أوصاف لأعراض صدمية مختلفة عان منها بعض الضباط المتقاعدين بعد 50 سنة من الحياة العسكرية النشيطة و تمثلت في الاستيقاظ المفزع، الأحلام المرعبة، التشنجات العضلية في الأطراف. كما تعتبر كوارث السكك الحديدية مع نهاية القرن التاسع عاشر من المحطات الهامة في دراسة ردود الأفعال و مختلف الصدمات الانفعالية الناتجة عن الوضعية الأزمة situation crise مما سمح بظهور مصطلح العصاب الصدمي névrose traumatique على يدي الطبيب العقلي الألماني هارمن أوبنهايم Oppenheim سنة 1888 .
3.1. مرحلة القرن العشرين : لقد شهد القرن العشرين في نصفه الأول حربين عالميتين أكثر دموية و دمار في تاريخ البشرية حيث استعملت فيها الأسلحة الثقيلة الأكثر فتكا و تدميرا. و هذا أدى الى تعميق البث الاكلينيكي حول العصاب الصدمي و ذلك في مجال الطب العقلي العسكري مما سمح بظهور مصطلح جديد هو مصطلح "عصاب الحرب" على يدي هونيغمان Honigmann سنة 1907 و الذي أطلقه على الأعراض العصابية كالهيستيريا و الوهن العصابي و توهم المرض و التي تم ملاحظتها على الضباط الروس خلال الحرب الروسية اليابانية في 1904. و عرفت الحرب العالمية الثانية في 26 أفريل سنة 1943 ظهور أول منشور يأمر بوضع الجنود المصابين بالصدمة النفسية تحت المراقبة الطبية و كانوا يصفون آنذاك بالمصابين النفسيين . كما سمحت هذه الحرب ببروز ملاحظات أكثر دقة مثل الاستعداد المسبق للمرض و مرحلة الكومن التي تسبق ظهور المرض، و هو ما أطلق عليه في انجلترا " الاستجابات الحربية المتأخرة". و في نفس السياق قام دافيس Davis سنة 1945 بدراسات مقارنة بين استجابات الجنود في الحربين العالميتين الأولى و الثانية حيث أظهرت دراساته أن الاستجابات الهستيرية الشائعة في الحرب العالمية الأولى قد تلاشت لتعوضها الاستجابات النفس جسدية خلال الحرب العالمية الثانية.
المحاضرة الثانية (02):
2. تعريف الصدمة النفسية :
ﺇن مصطلح "الصدمة النقسية" Psychological Trauma مشتق من الكلمة اليونانية "traumatos" و كان يستعمل في الجراحة ليدل على حدوث فعل عنيف على الجسم بسبب حدث خارجي مثل ضربة، جرح، بتر ﺇلى غير ذلك، و ليدل أيضا على أثار هذا الحدث على الجسم و على وظيفته. ولهذا تحمل كلمة "traumatos" (صدمة) معنى مزدوجا : من جهة عنف من أصل خارجي، و من جهة أخرى آثار الحدث على الجسم التي قد تتلاش تدريجيا أو تدوم طويلا. و لقد بقي هذا المعنى المزدوج عندما نقل الى الطب العقلي ثم الى التحليل النغسي. ٳذا لا يمكن الحديث عن اضطراب الصدمة النفسية دون الحديث عن الصدمة نفسها أي الحدث الصدمي traumatic event الذي يكون سببا في ظهور المرض النفسي. ﺇذ أن مرض الصدمة النفسية له بداية معينة أو نقطة انطلاق واضحة هي السبب المباشر في ظهور الأعراض؛ و بدون هذا الحدث أو الحادث لن يكون هناك مجال للحديث عن الصدمة النفسية و عن أعراض أو مشكلات بعد صدمية؛ و لكن هل يمكن لأي حدث مسبب للألم أو خارق للعادة أو مغاير لما يتوقعه اﻹنسان أن يوصف بالحدث الصدمي؟ أو أن هناك خصائص معينة يتم من خلالها تمييز الحدث الصدمي من الحدث غير الصدمي.
1.2. تعريف الحدث الصدمي : يعرف الحدث الصدمي على أنه « حدث خارج عن المألوف، يتعدى مجال الخبرات العادية ( الضغط ، المرض، الحداد...)، تتم معايشته بهلع و هو يمثل مواجهة أو لقاء مع الموت » ( H Souki )(2002) و يمكن استخلاص خصائص الحدث الصدمي في ما يلي: 1).حدث خارج عن المألوف، غير اعتيادي و غير متوقع. 2).معاش من الهلع يؤثر على ادراكات و أحاسيس الشخص . 3).لقاء أو مواجهة مع الموت و التي تتعدى مجرد اﻹحساس بالتحديد بالموت ﺇلى رؤية و معايشة سيرورة الموت . أما الخاصية الثالثة ستفسر ما يلاحظ في الواقع من اختلاف و تباين في ردود الأفعال و استجابات مختلفة بين الأفراد عقب نفس الحدث، ﺇذ، في حين، أن بعض الأفراد رغم تعرضهم للضغط النفسي الشديد خلال الحدث المهدد و غير المتوقع يستطيعون تجاوزه و العودة ﺇلى حالة الاستقرار النفسي، تتحول حياة أفراد آخرين ﺇلى كوابيس و اضطرابات وجدانية بعد صدمية تؤثر على كل خبراتهم و حياتهم الشخصية و الاجتماعية، ليس بسبب الحدث في حد ذاته و مدى خطورته و ﺇنما بسبب الطريقة التي يعايشون بها تلك الحدث . كما يعرف بايلي Bailly الحدث أو الحادث الصدمي بأنه يخضع الجهاز النفسي لضغط قد يتمكن الفرد و في وقت ما من ﺇرصائه، ﻓﺇذا لم يتم ذلك أو كان مستحيلا ﻓﺇنه يؤدي ﺇلى ﺇنتاج صدمة في الجهاز النفسي ( بيلي،ل، 1985).
2.2. تعريف الصدمة النفسية : الصدمة النفسية هي حدث أو تجربة معاشة في حياة الانسان تؤدي، خلال فترة وجيزة ﺇلى زيادة كبيرة جدا من اﻹثارات، تتحدد تبعا لشدتها و بالعجز الذي يجد الشخص فيه نفسه، ﺇذ أن محاولة خفض التوتر الناتج عن هذه اﻹثارات الكبيرة و الغير مألوفة بحلول سوية و مألوفة تؤول بالفشل. و يعرف معجم مصطلحات التحليل النفسي للابلانش و بونتاليس الصدمة (النفسية) على أنها «حدث في حياة الشخص، يتجدد بشدته، و بالعجز الذي يجد الشخص فيه نفسه، عن الاستجابة الملائمة حياله، و بما يثيره التنظيم النفسي من اضطراب وآثار دائمة مولدة للمرض. تتصف الصدمة، من الناحية اﻹقتصادية بفيض من اﻹثارات تكون مفرطة، بالنسبة لطاقة الشخص على الاحتمال و بالنسبة لكفائته في السيطرة على هذه اﻹثارات و ﺇرسائها نفسيا» ( لابلانش و بونتاليس، 1997، ص300) . أما سيلامي Sillamy يعرف الصدمة النفسية على أنها حادث عنيف قابل لشن اضطرابات جسدية و نفسية تؤثر على بنية الشخصية، و ﺇن لم تكن هذه الآثار يمكن اعتباره أزمة عابرة، و حسب رأيه ﻓﺇن الصدمة تكون دائما متبوعة بمجموعة من الاضطرابات النفسية و الجسدية التي تكون غالبا مستمرة حيث تتخذ شكل المتلازمة البعد صدمية أهم أعراضها : 1).عدم الاستقرار 2).الضعف 3).العياء النفسي 4).فقدان الذاكرة 5).النكوص ﺇلى مرحلة من مراحل الطفولة 6).الهروب ﺇلى الادمان و تعاطي الكحول و المخدرات 7).توهم المرض و ترى ميلاني كلاين أن كل صدمة طفلية، مهما كانت، تعتبر كسرا و تخريبا لكل ما بناه الطفل، و كذلك توقظ و تنشط هوامته البدائية. و تعرف الصدمة النفسية بأنها أي حادث يهاجم الانسان و يخترق الجهاز الدفاعي لديه، مع ﺇمكانية تمزيق حياة الغرد بشدة. و قد ينتج عن هذا الحادث تغييرات في الشخصية أو مرض عضوي ﺇذا لم يتم التحكم فيه و التعامل معه بسرعة و فاعلية. و تؤدي الصدمة ﺇلى نشأة الخوف العميق و العجز أو الرعب ( عبد الرحمان موسى و آخرون 2002). و يرى بييرون Pierron أنه في كل حالات الصدمة النفسية هناك مفهوم اقتصادي بحيث أن هناك كميات من الطاقة (الخارقة) سببها أحداث عنيفة تفوق شدتها طاقات الفرد الدفاعية لصد اﻹثارات، كما أن هناك حقيقة تفرض نفسها، حسب بييرون دائما، و هي أن الصدمة النفسية لا تتعلق فقط بطبيعة الحدث حيث أن نفس الحدث قد يكون له تأثيرات مختلفة على أفراد مختلفين ( روجي بييرون، 1983) . و يعرف Croq-L الصدمة النفسية بأنها ظاهرة ذهول تجتاح الجهاز النفسي، بسبب تدفق اثارات عنيفة و عدوانية تتجاوز قدرات دفاع الفرد، و تؤدي ﺇلى ﺇخلال أساسي يمس نمطه الوظيفي . و يأتي تعريف بايلي (L.Bailly) مميزا عن التعاريف السابقة حيث يقول " ﺇن الصدمة النفسية ليست استجابة أو رد فعل النفس لوضعية خاصة، وﺇنما هي عدم استجابتها و تجمدها ".
3.2. تعريف العصاب الصدمي : يعرف معجم مصطلحات التحليل النفسي للابلانش و بونتاليس العصاب الصدمي على أنه « نمط من العصاب تظهر فيه الأعراض ﺇثر صدمة ﺇنفعالية ترتبط عموما بوضعية أحس الشخص فيها أن حياته مهددة بالخطر. و هو يتخذ في لحظة الصدمة شكل نوبة قلق عارمة و قد تجر ﺇلى حالات من الهياج، و الذهول أو من الخلط العقلي. و يتيح لنا تطوره اللاحق ، الذي يأتي غالبا بعد فترة من السكينة ، أن يتميز ﺇجماليا ما بين حالتين: أ- تقوم الصدمة بدور العنصر المفجر، الذي يكشف عن بنية عصابية سابقة عليها. ب- تلعب الصدمة في هذه الحالة الثانية دورا حاسما في محتوى العارض نفسه على شكل(معاودة الحادث الصدمي ، و كوابيس تكرارية ، و اضطرابات في النوم...الخ)، و الذي يبدو كأنه محاولة متكررة "لاستيعاب" الصدمة و يصرسفها ، و يصاحب هذا " التثبيت على الصدمة" صد لنشاط الشخص يتفاوت في درجة تعميمه. » ( لابلانش و بونتاليس، 1997، ص 335).
4.2. الصدمة النفسية من منظور جمعية الطب النفسي الأمريكية (APA): في عام 1980 أدخلت جمعية الطب النفسي الأمريكية مفهوم اضطراب الضغط ما بعد الصدمة (PTSD) في طبعتها الثالثة للدليل التشخيصي و الاحصائي للأمراض العقلية (DSM III) سنة 1980، و رغم أن هذا التصنيف الجديد أثار جدالا حول تشخيص الPTSD، ألا أنه سد فراغا كبير في الطب النفسي، سواء على المستوى النظري أم على المستوى التطبيقي. فمن المنظور النظري التاريخي، التغيير الأساسي و ذو الدلالة الهامة الذي أحدثه مفهوم PTSD، هو اﻹعتقاد أن العامل المسبب للصدمة يكمن خارج الفرد (أي الحدث الصدمي) عوض ضعف ذاتي للفرد (أي عصاب صدمي)؛ و من المنظور التطبيقي اعتبار الأحداث الصدمية مختلفة عن العوامل المؤلمة الضاغطة، و أن الاستجابات السيكولوجية لهذه " العوامل الضاغطة العادية" تكون مدرجة في تصنيف DSM III "كاضطراب التوافق" عوض PTSD. و بعد سبع سنوات عادت جمعية الطب النفسي الامريكية و أدخلت بعض التعديلات على مفهوم اضطراب الضغط ما بعد الصدمة أهمها تعديلان أساسيان هما : 1). التركيز على عملية التجنب الذي يعتبر مؤشرا أساسيا للدلالة على اضطراب ما الصدمة ( تجنب الأشياء و الأفكار و المشاعر المرتبطة بالحدث و تجنب الوضعيات التي يمكنها أن توقظ ذكريات الحدث). 2). ادراج و لأول مرة اضطراب الضغط ما بعد الصدمة لدى الأطفال ( استعادة الحدث المؤلم عن طريق اللعب المتكرر المرتبط بالصدمة مع انخفاض الرغبة في الأنشطة و المهارات بما في ذلك الكلام). و ورد في الدليل التشخيصي و الاحصائي الرابع للأمراض العقلية DSM IV أن الخاصية التشخيصية الأساسية لاضطراب الضغط ما بعد الصدمة هي الذاكرة الصدمية و أن المعايير الكاملة لتشخيص الPTSD تتمثل في الأعراض التالية : أ- أن يتعرض الشخص لحدث صدمي و حدث كالتالي : 1- مر الشخص بخبرة أو شاهد أو واجه أحداث تضمنت موت حقيقي أو تهديد بالموت أو ﺇصابة بالغة أو تهديد شديد لسلامة الفرد والآخرين. 2- تضمنت استجابة الفرد الخوف و ﺇحساس بالعجز و التعب و في حالة الأطفال يظهر هذا في صورة السلوك المضطرب. ب- تتم ﺇعادة معايشة الحدث الصدمي بطريقة أو بأخرى من الطرق التالية : 1- تذكر الحدث بشكل متكرر و مقتحم و ضاغط و ذلك يتضمن صورا ذهنية أو أفكار أو مدركات . 2- استعادة الحدث بشكل متكرر و ضاغط في الأحلام ( كوابيس متعلقة بالحدث). 3- التصرف أو الشعور و كأن الحدث الصادم عائد . 4- الضغط النفسي الشديد الناتج عن التعرض للمثيرات الداخلية أم الخارجية التي ترمز أو نشبه بعض الجوانب من الحادث الصدمي. 5- استجابات فيزيولوجية تحدث عند التعرض للمثيرات سابقة الذكر. ج- التفادي المستمر لأي مثيرات مرتبطة بالحادث الصدمي ﺇضافة ﺇلى هبوط عام في الاستجابات. د- أعراض زيادة الاستثارة بشكل عام. ه- ﺇستمرار الأعراض لمدة شهر على الأقل (الحالة الحادة) أو ستة أشهر ( الحالة المزمنة) أو ظهور الأعراض بعدة ستة أشهر من بدأ الصدمة ( الحالة المتأخرة).
- Teacher: Mohamed BELLOUM