نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

باشرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين نشاطا مكثفا منذ المصادقة على قانونها الأساسي المتكون من ثلاثة وعشرون فصلا، فوضعت برامج تعليمية وأشرف قادتها على تنفيذها، كما باشرت على تعيين المعلمين والإشراف على مناظراتهم وتعيين أوقات الراحة والعطل وبداية السنة ونهايتها، والمصادقة على الاحتفالات المدرسية، ووضع شروط صارمة للتوظيف بمعاهدها، وخلق وظائف من بينها لجنة إدارة المعهد، ولجنة الطبع والنشر، والدعاية والتنظيم والمالية ولجنة الشؤون الخارجية والمراقبة والتأديب، وغيرها من المهام العديدة والمتعددة، وذلك كله من أجل تحديد المسؤوليات والأعمال والسهر على نشاط الجمعية كل في اختصاصه ووظيفته .

في رسالته التي نشرت بقلمه في مقال له تحت عنوان "دعوة جمعية العلماء المسلمين وأصولها"، أوضح عبد الحميد ابن باديس العديد من المفاهيم والمصطلحات التي تتعلق بنشاط جمعيته، والتي نوجزها في النقاط التالية:

- الإسلام هو دين الله الخالق وضع لهداية الناس ولا تسعد البشرية إلا به.

- القرآن هو كتاب الإسلام.

- السنة القولية والفعلية الصحيحة تفسير وبيان للقرآن.

- سلوك السلف الصالح، الصحابة والتابعين وأتباع التابعين تطبيق صحيح لهدي الإسلام.

- فهوم أئمة السلف الصالح أصدق الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص الكتاب والسنة.

- البدعة كل ما أُحدث على أنه عبادة وقربة، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وكل بدعة ضلالة.

- المصلحة كل ما اقتضته حاجة الناس في أمر دنياهم ونظام معيشتهم وضبط شؤونهم وتقدم عمرانهم مما تُقرّه أصول الشريعة.

- أفضل الخلق هو محمد صلى الله عليه وسلم...الخ .

كانت غاية الجمعية هي الإصلاح الديني والاجتماعي والثقافي والتصدي لكل ما زرعه الاستعمار منذ مائة عام، فالغاية بالنسبة لعبد الحميد ابن باديس ومن معه من الأعضاء هي تحرير الأفكار والأوطان والشعوب، ولاسيما فيما يتصل بالجزائر، وخير دليل على ذلك مقولته الشهيرة في إحدى خطبه، حيث يقول: "وهذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا ولا تُريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تُصبح هي فرنسا، ولو أرادت، بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البُعد في لغتها، وفي أخلاقها، وفي عُنصرها، وفي دينها، لا تُريد أن تندمج ولها وطن محدود مُعين هو الوطن الجزائري، بحدوده الحالية المعروفة" .

تنكرت العديد من الوجوه الجزائرية المثقفة ثقافة فرنسية لقيم الأمة الجزائرية المُسلمة، فكان من الواجب محاربتها والتصدي لأفكارها، فكان ذلك من بين أولويات جمعية العلماء المسلمين وزعيمها ابن باديس الذي استعان بصديقه الوفي البشير الإبراهيمي- المتمتع بمقدرة هائلة على الكتابة- فعيّنه مسؤولا عن نشر جريدة "الشهاب"، كما استفادت الجمعية من نشاطات هذا الأخير وتجوله في بلدان المشرق العربي واحتكاكه بالعلماء وزعماء الحركة الإسلامية في تنشيط حركة الجمعية ومدارسها في الغرب الجزائري، كما استعان ابن باديس بالمفكر مبارك الميلي في إنشاء مدرسة بالعربية في الأغواط والتدريس بها، وما نشر كتابه "تاريخ الجزائر في الحاضر والماضي" سنة 1920م، إلا خير دليل تصدى فيه هذا المؤرخ للفرنسيين الذين زعموا بأن الحضارة الرومانية قد أثرت في الجزائريين، وأن الإسلام جاء بالدين فقط ولم يأت بأية حضارة، وهو كتاب مُفيد أثر في نفوس الجزائريين خاصة بعد طبع جزئه الثاني سنة 1932م أين أقبلوا على قراءته بشغف كبير .

كتب الكثير عن أهداف جمعية العلماء المسلمين, فيذكر أبو القاسم سعد الله بأن البعض قصّر نشاطها على التعليم ومحاربة الآفات الاجتماعية، والبعض الآخر قرنها بالنشاط السياسي ومحاربة الاستعمار، في حين ذهب آخرون إلى اعتبار أن علمائها مجموعة من أنصاف المثقفين وردوا على الجزائر من الخارج يحملون أفكاراً أجنبية ومذاهب هدامة، أما فرحات عباس فقد ذكر أن أهدافها كانت تجديد الإسلام والصراع ضد الاستعمار وأداته من المرابطين وتكوين إطارات الثقافة العربية، ويرى جوزيف ديبارمي أن أهداف الجمعية تتمثل في شرح لغة القرآن، والعودة به إلى الثقافة الإسلامية القديمة واعتبار المغرب العربي كقلعة للعبقرية الشرقية في وجه الغرب وتنقية وتبسيط الدين الإسلامي، وكلها آراء تُلزم أصحابها، فأحد أعضاء الجمعية لخص أهدافها سنة 1935م فيما يلي:

إحياء الإسلام بإحياء القرآن والسنة، وإحياء مبادئ اللغة العربية وآدابها، والتاريخ الإسلامي وآثاره .

جاء في الفصل الثالث وفي مواده 65 و67 و68 فيما يرجع إلى نظام الجمعية وإدارتها ما يلي:

أول مقاصد الجمعية طائفة العلماء والطلبة باستعمال كل الوسائل كملهم على التخلق بالأخلاق الإسلامية وتذكيرهم بما غفلوا عنه وأهملوه، ونبذ الشقاق وإحياء فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجههما الديني وإماتة البدع والخرافات المخالفة للدين الإسلامي وإحياء السنن الصحيحة الثابتة، ومقاومة المحرمات الضارة كالخمر والميسر وغيرها من الآفات الضارة بقيم المجتمع الجزائري المسلم .

لم تقف السلطات الفرنسية مكتوفة الأيدي أمام التقدم الإيجابي الذي أحرزته الجمعية في القيام بإصلاحات واسعة داخل الجزائر ومن بينها موقفها الهادف إلى مقاومة فرنسة الجزائر، ففرنسا ترى بأن نشاط أعضاء الجمعية أكسبها جماهيرية واسعة من خلال عقدها حلقات الدروس والوعظ والإرشاد في المساجد، وبالتالي وجب وضع حد لنشاطها وتأثيرها على المجتمع، فأصدرت الأوامر بوضع أعضاء الجمعية تحت الرقابة المشددة واتهامهم بالخروج عن الدين الإسلامي داعية الجزائريين إلى مقاطعتهم، وقد عبر عبد الحميد ابن باديس عن استيائه لتلك السياسة ولما تتعرض له الجمعية من عرقلة واضحة لرسالتها الدينية والتعليمية من طرف السلطات الفرنسية التي استمرت في عدوانها حتى بعد فوز الجبهة الشعبية وتشكيلها الحكومة الفرنسية سنة 1936م والتي علقت عليها الجمعية آمالا كبيرة، لكن كل تلك الأماني كانت مجرد أكاذيب وحملات انتخابية زائفة، فهاجمت بذلك جمعية العلماء المسلمين الإدارة الفرنسية الجديدة وعدتها السبب الأول في عرقلة أي نشاط إصلاحي تُقدم عليه، وبأن فرنسا هي فرنسا مازالت تمارس سياسة القتل والتشريد والعزل، وأمام تنامي ظاهرة التصفية والاعتداء الممنهج على الشعب الجزائري ومن أجل إدامة وجودها لتحقيق أهدافها الإصلاحية ظاهريا والسياسة باطنيا اتخذت الجمعية طريق المهادنة والمسالمة مع الفرنسيين، لأنها كانت ترى بأن طريق الاستقلال لابد أن يسبقه تهيئة وتثقيف الشعب الجزائري وتعليمه .

كما ساهمت بعض الصحف العربية الجزائرية لسان حب الجمعية مساهمة فعالة في عملية التوعية والإرشاد، وكثيرة هي العناوين، فمنها: الشهاب والبصائر والإصلاح ببسكرة، ثم الجزائر (1927-1948م)، حيث أصدر الشيخ العُقبي في إطار محاربته للبدع والخرافات هذه الجريدة، من أجل تنوير الأفكار وتهذيب الناس، وقد صدر العدد الأول من هذه الجريدة بتاريخ 08 سبتمبر 1927م ببسكرة، والتي واصلت مسيرتها رغم العقبات التي وضعتها السلطات الفرنسية أمامها، فإلى جانب الشيخ الطيب العقبي شارك محمد العيد آل خليفة صديقه العقبي في الصحوة من خلال جريدة الإصلاح، وقد ذكر في العدد الأول وفي افتتاحية الجريدة ما يلي: "... فبدا لي- والخير فيما بدا- أن أصدر جريدة إسلامية حرة في مباحثها أدبية قبل كل شيء... تعمل لهذه الغاية في الإصلاح، ولهذه المناسبة رأيت أن أسميها الإصلاح... وقد قبل شاعر الشباب الناهض أخي محمد العيد أن يكون في هذه الجريدة شريكا مساعدا، بل عضوا ومساعدا، فعددت هذا من علامات الفوز والفلاح، فأنا وهو إذا صاحبا جريدة الإصلاح" .

كما أثار محمد الأمين العمودي عبر صفحات هذه الجريدة العديد من المسائل التي تهم المجتمع الجزائري، ومنها الفرنسة والتجنيس، والحركة الإصلاحية، والعديد من المواضيع المهمة ذات الحساسية الكبيرة في تلك الفترة، فهو يرى مثلا حول مسألة "التجنيس والتفرنج"، بأنها مسألة كبيرة وهي من الأمور التي لا تتعلق بالأفراد، بل وجب على جمهور الأمة الجزائرية تدقيق النظر فيها من أصحاب العلوم المستنيرة والأفكار الراقية .

دور ومكانة جمعية العلماء المسلمين في نشر الوعي الثقافي الوطني