المحاضرة السابعة

المحاضرة السابعة

par Lazhar Benaissa,
Nombre de réponses : 0

نماذج اتخاذ القرار في السياسة العامة،   

بداءة:                         

     تعتبر السياسة العامة من أهم مخرجات العمل الحكومي، الذي يبنى على أساس تتّبُع المشكلات المجتمعية ومحاولة حلحلتها بتدخل الكثير من الأطراف، وبحسب المشكلة الموجهة للنظام السياسي، وهناك الكثير من النماذج التي لتفسير السياسة العامة وهي مختلفة ومتمايزة.

أولا: نماذج اتخاذ القرار في السياسة العامة:

    النموذج هو عبارة عن صور نظرية ومبسطة لما هو موجود في عالم الواقع، أي أنه: عبارة عن بناء مشابه للواقع، والنموذج هو أداة التمثيل للواقع وإدراكه في بعض جوانبه الأكثر مغزى وأهمية، وهو مركب ذهني من مفاهيم معينة، يقوم على مجموعة من العلاقات الارتكازية، وهذه العلاقات بنائية، بمعنى أنها تعنى بالتغير في آن واحد لعناصر النموذج، بحيث أن التغيير في أحد عناصر النموذج يجر تلقائيا التغيير على بقية العناصر بحكم الارتباط، دون أن يعني ذلك وجود علاقة سببية بين هذه العناصر، وغالبا ما يمكن التعبير عن هذه العلاقات بصورة رياضية، والنموذج كأداة للإدراك العلمي يجب أن يتسم بالوضوح المفاهيمي1.

     يحسن بنا ونحن نتناول نماذج اتخاذ القرار في السياسة العامة، أن ننوه على أنّه لا يوجد نموذج وحيد يقتدى به أو يَصلح أن يُتّخذ كمُوجه ( un guide) أثناء وجود مشكلة عامة من مشاكل السياسة العامة¨، ولذلك يرى الأستاذ علي بن علال بأنّ أهم نماذج اتخاذ القرار في السياسة العامة تتمثل في2:

1-النموذج الكلي الرشيد :

        وفقا لهذا النموذج فإن القرار الرشيد أو السياسة الرشيدة هي تلك التي تحقق أكبر عائد (ناتج) اجتماعي، بمعنى أن يحقق هذا القرار أكبر قدر من الفوائد وبأقل قدر ممكن من التكاليف.

      وبالتالي فإنّه من غير اللائق حسب هذا النموذج تبني أي سياسة أو قرار حينما تكون التكلفة عالية وتزيد من العوائد المرجوة منها.

 وحسب الأستاذ الدكتور فهمي خليفة الفهداوي¨¨ يقوم هذا النموذج على الافتراض الاقتصادي حيث يرى بأن السياسة الرشيدة هي تلك التي تحقق أكبر عائد اجتماعي. (الحكومة عليها أن تختار السياسة العامة التى ينتج عنها مكاسب وعوائد للمجتمع).

وهذا المنطلق في النظرة يفصح عن مسارين هامين يمكن بلوغهما1:

  • لا ينبغي لصانعي القرارات تبني أية سياسة حينما ترتفع تكلفتها بشكل ملحوظ عن عوائدها.
  • يجب على متخذي القرارات اتخاذ السياسة العامة التي تزيد فوائدها او عوائدها عن كلفة تطبيقها.

وهذا يجسم ان السياسة العامة تكون رشيدة عندما يصبح هناك فرق ايجابي بين القيم التي تحققها وبين القيم التى تم التضحية بها. ولا تعني هذا التضحية بالقيم الاجتماعية في سبيل تعظيم القيم المادية والنقدية، فالرشادة تتضمن جميع القيم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المضحى بها أو التى يمكن تحقيقها من خلال السياسة العامة وليس فقط القيم المقدرة ماديا أو ماليا.

ولأجل الإحاطة التامة بمعطيات الأنموذج الكلي الرشيد سنعتمد على التفصيل التالي2:

أ‌.     العناصر الأساسية التي تشكل اليات النموذج الكلي الرشيدفي عملية اتخاذالقرار للسياسة العامة:

وهذه تتمثل فيما يأتي من العناصر والخطوات:

  • أن متخذ القرار يواجه مشكلة محددة وقابلة لأن تدرس بشكل متأن وهي جديرة بالاهتمام والمقارنة.
  • إنّ متخذ القرار يؤدي دوره نظرا لوضوح الأهداف والقيم والغايات عنده.
  • إنَّ جميع البدائل المتعددة والمختلفة لغرض مواجهة المشكلة المحددة قد تم فحصها واختبارها والاشارة اليها بصورة كاملة.
  • إنَّ النتائج المتوقعة من اختيار البدائل قد تم طرحها وتحيلها في ضوء العائد بالقياس مع الكلفة.
  • إنّ كل بديل جرى اختياره تجري عليه عملية مقارنة محسوبة لما يتوقع عنه من نتائج مع البدائل الأخرى.
  • يقوم متخذ القرار باختيار البديل التعظيمي للبدائل.

ب‌.     مبررات الرشد في أنموذج القرارات للسياسة العامة:

    إن العقلانية والرشد من المتطلبات الأساسية والهامة في اتخاذ القرارات ولابد أن تكون هناك معايير عقلانية تحكم عملية اتخاذ القرارات وتوجة السلوك الانساني لمتخذي القرارات في صنع السياسة العامة.

يوجد جزء هام من السلوك يتصف بأنه سلوكا عقلانيا رشيد وعندما نحاول أن نتحرى عن السلوك اللاعقلاني والغير رشيد فإننا نستخدم معايير عقلانية ورشيدة(التسليم بالعقلانية والرشد اكثر فائدة من انكارها).

    إنَّ كثير من علماء الاجتماع يؤمنون بشكل عام بضرورة تغليب الطابع الرشيد العقلاني على السلوك الفردي والإنساني ( فضلا عن ان السلوك الرشيد وغير الرشيد متداخلان فيما بينهم).

    لما كان السلوك الانساني ليس نشاطا عشوائيا فإنَّ دراسة عملية السلوك تقتضي الربط بمعايير السلوك العقلاني الرشيد.

    إنَّ كل تصرف سيؤدي إلى نتائج في السياسة العامة وهذا يتطلب شرحا أمام الرأي العام والمعنيين ويجب ان يكون شرحا عقلانيا رشيدا.

    المنظور العام في نظريات صنع القرار يميل إلى تغليب البعد العقلاني الرشيد على البعد اللَّاعقلاني وغير الرشيد (البعد الاول يمكن ادراكه والتعرف علية عكس البعد الثاني التي تحكمه نوازع خفية تكون مجهولة وجديدة).

    إن بعض القرارات السياسية العامة تكون غير عقلانية حينما يكون البعض الآخر من القرارات يتسم بالعقلانية والرشد .( هنا تكون المقارنة ما يجعل الاخفاق حليفا للقرارات الغير عقلانية).

    قد تبرز العقلانية في بعض قرارات السياسة العامة والسياسة الخارجية خاصة في الظروف الحرجة والأزمات المعقدة.

ت‌.     النظرة التحليلية في تفسير اليات النموذج الكلي الرشيد المعتمدة فياتخاذ القرار:

تقوم النظرة التحليلية للنموذج في تفعيل آلياته التشغيلية ضمن عملية اتخاذ القرار من منطلق النظرة الشمولية الذي يفترض جميع التفضيلات والقيم ويمنك قياسها والتعرف عليها بسهولة  فيجب على متخذ القرار أن يكون لديه فهما كاملا للقيم الاجتماعية  كما أنَّ اختيار سياسة عامة رشيدة يستدعي معلومات متكاملة حول السياسات البديلة المطروحة فضلا عن وجود القدرة التنبؤية العالية لعواقب السياسة ونتائجها وكذلك القدرة على الاحصاء والحساب الدقيق للنسب والفوائد والتكاليف.

    إنَّ صنع قرارات السياسة العامة تطلب نظاما لاتخاذ القرارات تكون الرشادة أساسا في قراراته وتوجهاته، وإنّ السياسة الرشيدة هي تلك التي تحقق أكبر عائد اجتماعي وكان صانع السياسة يتصور واقع افتراضي تتحقق فيه هذه النتائج وتنعدم فيه الخسائر، وبالتالي اختيار سياسات مثلى وقرارت التي تحقق نتائج كاملة ويفترض هذا المدخل ما يلي1:

1-  راسم السياسة العامة يجب أن يتحلّى بالمعلومات الكاملة حول المشكلة؛

2-  وجود بدائل متاحة لحل المشكلة؛

3-  رسم السياسة له القدرة الكاملة لاختيار أمثل حل ممكن ( الذي يحقق اقصى منفعة ممكنة)؛

4-  راسم السياسة يؤدي دوره نظرًا لوضوح الأهداف والقيم؛

5-  يجب على متخذ القرار أن يكون لديه فهمًا كاملًا للقيم الاجتماعية من منطلق النظرة الشمولية فضلًا إلى وجود القدرة التنبؤية العالية لعواقب السياسة ونتائجها؛

6-  إنّ كل بديل جرى اختياره تجري عليه عملية مقارنة محسوبة لما يتوقع عنه من نتائج مع بدائل أخرى. 

وحاول بعض دارسي صنع القرار تطوير خيارات تتناسب بواقعية مع الموقف من خلال التأكيد على أهمية إجراء بحث شمولي عن اجابة عقلانية رشيدة ويتضمن هذا البحث في حقيقته جوهر الأنموذج الكلي الرشيد من خلال الآليات المثالية التّالية1:

  • لأجل مواجهة مشكلة ما.
  • يقوم متخذ القرار الرشيد بتوضيح اهدافه وقيمة ومقاصده ثم يرتبها وينظمها في ذهنه.
  • يقوم بوضع قائمة بجميع الطرق الهامة الممكنة (السياسات) لتحقيق اهدافه.
  • يبحث كل النتائج الهامه التي سوف تترتب على السياسات البديلة.
  • يقوم بمقارنة النتائج المترتبه على كل سياسة بديلة  مع الأهداف المرجوه.
  • يقوم باختيار السياسة ذات النتائج الاقرب الى أهدافه.

                               الأنموذج الكلي الرشيد في صنع القرار للسياسة العامة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: فهمي خليفة الفهداوي، مرجع سابق، ص 129.

 

2-النموذج التدريجي :

      يعتبر هذا النموذج أن السياسة العامة ما هي في الحقيقة إلَّا استمرارية للنشاطات الحكومية السابقة، مع وجود بعض التعديلات التدريجية، أي أن السياسة العامة عملية تراكمية محورها الإضافة لما تم في الماضي، ومحاولة لتحسين الوضع بصورة آنية وجزئية1.

أدت انتقادات النموذج الرشيد في النهاية إلى نظرية التدرج ومعها النموذج التدريجي الخاص بصنع السياسات. وردًّا على النموذج الرشيد الذي طورهسيمون، اعتبر المختص في العلوم السياسية تشارلز لندبلوم أن صنع القرار الرشيد هو هدف مثالي لا يمكن بلوغه بسبب شرطين لا يبدو أنه يمكن تحقيقهما حول معظم مشاكل السياسات العامة وهما:

الاتفاق على الأهداف، والمعرفة الكافية لتوقع تبعات بدائل السياسات ونتائجها بدقة. فاقترح لندبلوم بدلًا من ذلك صنع السياسات عبر تحسين تدريجي للمشاكل الاجتماعية الملموسة بدلً من المُثُل العليا المجرّدة. وأضاف أن القيود على الوقت والموارد تجعل من المستحيل النظر في أكثر من خيارات قليلة للسياسات يمكن تنفيذها سياسيًّا واقتصاديًّا. فقال إنَّ التغيير الواسع النطاق ينتج عن تراكم عمليات تغيير أصغر وتدريجية تُطبَّق على عدد من دورات السياسات المتكررة. وفيما يرفض عدة خبراء في الإدارة العامة الحركة البطيئة لهذا النموذج، يدافع آخرون عن أنه نموذج واقعي وعملي. لكن على غرار النموذج الرشيد، يقوم النموذجالتدريجي أيضًا على افتراضات ليست دائمًا صالحة عمليًّا، وهي أن الأطراف المعنية كلها )أو معظمها( تُمثَّلُ في السياسة، وأنه ما من اختلال كبير في توازن القوى بين أصحاب المصلحة المعنيين2.

     يقوم النموذج التدريجي في عملية صنع القرار واتخاذه في السياسة العامة من خلال كون السياسة العامة ما هي في حقيقة الأمر إلا استمرارية للنشاطات الحكومية السابقة ولكن بشيء من التعديلات التدريجية... حيث أن صانعي القرارات يفضلون تجزئة المشكلات لغرض التمكن من اختيار القرار الذي يحقق في كل منها هامشا مطلوبا من الحل3.

وصاحب الأنموذج (شالرس لندبلوم) يسميها التدريجية المجزأة.

وسوف يتم توضيح الأنموذج، كما وضعه (لندبلوم)، من خلال تناول المحاور التالية4:

 

  1. نقد(لندبلوم) للأنموذج الكلي الرشيد:

يرى أن الأنموذج لا يمت لحقيقة الواقع في شيء للأسباب الآتية:

 

  • عملية صنع القرار على صعيد الواقع العملي نادرا ما تمر بالخطوات المنظبطة.
  • بسبب المحدودية في المعرفة التى يمتلكها صانعو القرار فإن القرارات تصنع في خضم عدم اليقين.
  • عدم قدرة الانسان على العامل مع المشكلات المعقدة بسبب محدودية القدرات التفكيرية وبسبب نقص المعلومات وارتفاع كلفه التحليل.
  • يواجه صانعو السياسة العامة صعوبات فعلية في قيامهم بتقرير الاهداف الواقعية فهم يعجزون عن وضع خطة متكامة تتضمن الاحاطة والإلمام بجميع الأبعاد والمتغيرات.
  • إن الوسائل الكمية والإحصائية وبحوث العمليات لا يمكنها التعامل مع جميع انواع المشكلات.
  1. المنطلقات الفلسفية للأنموذج التجريبي:

     يتحقق الانموذج التدريجي مادامت العملية التخطيطية للسياسة العامة واتخاذ القرار تتم في اطار ضيق وبأقل عدد من البدائل المتاحة من منطلق ان صنع القرار العملي لا يقوى على تحقيق اكثر من تغيير محدود وغير كلي ولا شمولي، كما أن الأنموذج التدريجي قد طرح فكرة التوافق والتراضي بين العناصر المصلحية وإعطاء وزن معقول لقيام التنازلات والمساومات بين ممثلي تلك المصالح بالإضافة لاستيعابه تلك العلاقات القائمة بين الجماعات والمنظمات الحكومية.

  1. الأساسيات المنهجية في الانموذج التدريجي لأتخاذ القرار:

وتتمثل بالشروحات الوصفية حسبما يشير (لندبلوم) كالتالي:

v    إن عملية اتخاذ الأهداف والغايات والتحليل  العلمي للسلوكيات والتصرفات المطلوب تحقيقها  هي عمليات  متداخلة وليست مستقلة او منفصلة .

v    إن متخذ القرار يأخذ  في اعتباره بعض البدائل وليس كلها.

v    إن عملية المفاضلة بين البدائل المطروحة ينبغي ان تتركيز على نتائج البديل المهمة والمحددة.

v    إن الانموذج التدريجي أو التراكمي يسمح باعادة النظر في العلاقات القائمة بين الاهداف والوسائل.

v    إن المشكلة القائمة او اي مشكلة لا يوجد لها حل سحري واحد وانما الاختيار السليم للقرار الجيد هو الذي لا  خلاف عليه ومتفق عليه في ضوء التحليلات.

v    إن القرارات والسياسات هي حصيلة اعط وخذ واتفاق ثنائي متبادل بين المشاركين والحزبيين في عملية صنع القرار.

v    إن قرارات النموذج تقلل من حصول الأخطاء  في ضل عدم التأكد.

v    إن الحقيقة الدارجة أن الناس عمليون وواقعيون وهم لا يبحثون عن الوعود والمثاليات والقرارات التى لا يمكن تنفيذها.

 3-نموذج الفحص المختلط :1

      صاحب هذا النموذج هو أميتاي إيتزيونيAmitai Etzioni  ، الذي دعا إلى ضرورة إيجاد نموذج توفيقي في عملية صنع القرار واتخاذه، بحيث يأخذ هذا النموذج من النموذجين الكلي الرشيد والنموذج التدريجي، حيث اعتبر إيتزيوني أن عملية التخطيط والتنفيذ وظيفتان متكاملتان، ما يعني أن مرحلة التخطيط تستدعي اعتماد النموذج الكلي الرشيد، فيما تتطلب عملية التنفيذ اعتماد النموذج التدريجي.

     وجاءت أفكار إيتزيوني بناء على الانتقادات التي وجهها إلى النموذج العقلاني على أساس أنه نموذج خيالي، وأن صانع القرار هو الإنسان الذي لا يمكن أن يتصف لكل صفات الكمال التي تؤهله لاتخاذ قرار رشيد، كما وجه انتقادات للنموذج التدريجي تجلت في أن الإنسان لا يعرف كل البدائل، وأن هذا النموذج يركز على حاضر المؤسسة وماضيها دون الاهتمام بالمستقبل.

حيث دعا العالم الاجتماعي (أميتا اتزيوني) إلى إيجاد أنموذج توفيقي في عملية صنع القرار واتخاذه، ويأخذ من الأنموذج الكلي الرشيد ويأخذ من الانموذج التدريجي (الاستفادة من المعطيات العقلانية ومن المعطيات التدريجية).

يمكن بيان خصائص معالم انموذج الفحص المختلط كالتالي1:

 i.            انتقادات (اتيزيوني) للأنموذج الكلي الرشيد.

  • يتوهم الانموذج حين يدعي المعرفة الكلية الشاملة من قبل متخذ القرار بجميع الخيارات والبدائل وما يترتب من النتائج المحتملة حيت لا يمكن تحقيق ذلك على الصعيد العملي والواقع الفعلي.
  • يتوهم الانموذج حين يدعي القدرة المعرفية والتحليلية الدقيقة في ترتيب تصنيف البدائل المتعلقة باخذ القرار بحسب اهميتها وعوائدها.
  • ان الانموذج غير واقعي ويتسم بطاعة الخيالي.
  • ان صانع القرار انسان ليس بمقدورة امتلاك العقلانية الكاملة.
  • ان طبيعة الوظيفة في حقل الادارة ليست واحدة وتختلف باختلاف المستوى وتتفاوت فيها تأثيرات العوامل السياسية( غير العقلانية) بالشكل الذي يجعل من النظريات العقلانية صالحة ضمن مستوى محدد او معين وغير صالحة لمستوى اخر.
  1. انتقادات (اتيزيوني) للأنموذج التدريجي.
  • إنَّ الانموذج التدريجي(لندبلوم) في القرارات يقوم على الافتراض المنتقص وهو: ( أنَّ الانسان لا يعرف جميع البدائل وإنَّما يركز على البدائل التى تختلف اختلافا سطحيا عن السياسات القائمة ولا يهتم بجميع نتائج البدائل ويأخذ تعريف واحد للمشكلة).
  • يرى اتزيوني أن الافتراض في القرارات لا يعكس في حقيقة الأمر ديمقراطية أو مشاركة أو جماعية القرار وإنما هو افتراض هش يعبر فقط عن رغبات المجموعات القوية والمتماسكة والمنظمة على حساب المجموعات الصغيرة وغير المنظمة.
  • إنَّ الأنموذج التدريجي يركز على حاضر المؤسسة وماضيها ويتجاهل التحويلات المستقبلية التى تهم المؤسسة المعنية باتخاذ القرار حيث عملية التخطيط للمستقبل تكون بطيئة ومتعثرة وعشوائية.
  • قرارات النموذج التدريجي تسهم في خدمة القرارات الصغيرة ولا تتناسب مع القرارات الكبيرة والأساسية والخطيرة مثل ( اعلان الحرب – تبادل المواقف السياسية – والتحولات الاقتصادية).
  1. فحوى انموذج الفحص المختلط.

 يقوم الأنموذج (الإتزيوني) على مجموعة أسس وشواهد عملية وأمثلة واقعية تتمثل فيما يلي:

A- شواهد الارتباط المختلط:

  • يرى اتزيوني ان عملية التخطيط والتنفيذ وظيفتان متكاملتان ضمن عملية صنع القرار في السياسة العامة وهذا يعني ان مرحلة الاعداد للسياسة العامة تتطلب اعتماد الأنموذج التدريجي اذ ان الاساليب الرشيدة تسهم في وضع وتحديد الخطوط العريضة والعامة في مجال السياسة العامة بينما الاساليب التدريجية تسهم في تطويع تلك السياسات وجعلها متوافقة ومتكيفة مع مقتضيات الواقع السياسي والاجتماعي للإدارة الحكومية.
  • إنَّ أنموذج الفحص المختلط يسمح لمتخذي القرارات في السياسة العامة بتوظيف طرق الأنموذج الكلي الرشيد اضافة الى طرق الانموذج التدريجي في وقت واحد ضمن مواقف مختلفه.

B-  الإطار الفكري لأنموذج الفحص المختلط:

  • حاول (اتزيوني) أن يخلق تأليفا ومزجًا بين الأنموذج الكلي الرشيد وبين النموذج التدريجي حيث اخذ من الاول نظرتة الكلية وتركيزه على الكلي والشمولي بغير تفاصيل؛
  • وأخذ من الثاني نظرته الجزئية وتركيزه على الخلايا والتفاصيل  وبالتالي اقام دمجــــا قائما على التحليل والبحث والاختبار والتقويم؛
  • نموذج الفحص المختلط يأخذ بالعقلانية والرشد عبر العناية الواضحة بالتفاصيل ويأخذ من التدريجية عبر العناية بالنتائج المهمة ليشكل خيارا ثالثا وسطا؛
  • إنَّ نموذج الفحص المختلط يعمل على الابتعاد عن لا معقولية الأنموذج الكلي كما يعمل على الابتعاد عن عشوائية الأنموذج التدريجي.

 

4-نظرية الاحتمالات :

  تم تطوير نظرية الاحتمالات في الأصل من قبل دانيال كانيمان وعاموس تفرسكي في عام 1979، وتستند النظرية على فكرة أننا نقدر الخسائر والمكاسب بشكل مختلف وبشكل أكثر تحديدًا، تنص على أن الأفراد يفضلون تجنب الخسارة على المكاسب المماثلة لأن الخسائر تخلق تأثيرًا عاطفيًا أقوى من المكاسب.1

و هي إحدى النّظريات الكمية التي تنطلق في حل المشكلة من المعطيات والمعلومات المحيطة بالموقف لتجيب على أسئلة متكررة مفادها: هل المعلومات والمعطيات المتوفرة لدينا حقيقية وكاملة؟ أم لا؟ وهل الظروف المحيطة بالقرار مواتية ومناسبة لاتخاذ القرار؟ وما درجة المواءمة تلك2؟

   إن الإجابة عن تلك الأسئلة تجعل المدير أو الرئيس في وضعين مختلفين، وضع التأكد من المعطيات المتوفرة، ووضع عدم التأكد من تلك المعطيات والحقائق.3

•       الوضع الأول: وضع التأكد:   

     بمعنى أن وضع القرار وظروفه والمعلومات المتوفرة مؤكدة، وأن الأسباب والعوامل العشوائية قليلة ومعلومة لدى صانع القرار كما هي، ومثل هذه الأوضاع تجعل من القرار يقينيا ويتصف بالرشد، و تكون احتمالات المخاطرة قليلة أو معدومة، في مثل هذه الحالة يفترض انعدام تأثير قانون الصدفة، لتبقى دقة التقديرات، وبالتالي دقة تحديد العلاقة بين المتغيرات المتوفرة، ثابتة كانت أو عشوائية، ويمكن لصانع القرار استخدام الأساليب الكمية والرياضية لضبط تقديراته كالمحاسبة الإدارية والبرمجة الخطية.

•       الوضع الثاني: وضع عدم التأكد

     يعود هذا الوضع إلى عدة أسباب من اهمها قلة المعلومات والحقائق أو تعارضها، ارتباط القرار بمتغيرات عشوائية لا يمكن التحكم فيها، وتبعا لذلك فإن النتائج المحتملة للقرار غير مؤكدة، ونسبة التحقق فيها ضعيفة، وإذا تنكرنا بأن القرار متعلق دائما بالمستقبل يتطلب جهدا باختيار احتمالات أكثر واقعية، الإشكال هنا يتوقف على الدوافع والحوافز التي تجعل متخذ القرار يضحي بالشكل الذي يمكنه من تقدير القرار الواقعي.

    وعليه فإن صانع القرار يجد أماه عوامل كثيرة تؤثر على عامل اليقين في نتيجة القرار منها العوامل المادية، البشرية، السلوكية، والعوامل السياسية الاقتصادية القانونية، بالإضافة إلى العوامل الثقافية والحضارية، كما أن المستقبل يكتنفه الغموض وتحيط به العوامل الطارئة.

    تقدم نظرية الاحتمالات الكثير لصانعي القرار، وترشدهم إلى جدوى القرار، ومن ورائه رشد التسيير وصولا إلى مفهوم الحكم الراشد على مستوى الإدارة، وإدارة الجودة الشاملة على مستوى إدارة الأعمال قصد تحقيق التنمية المستدامة والتنمية الشاملة بفضل صواب رشد القرار.

 5- نظرية اللعب "المباراة" ) :Game theory):

     بدأ تطوير هذه النظرية في بداية الأربعينات وتحديدا سنة 1944م، من خلال الكتاب الذي ألفه العالمان: فون نيومان Von Neumann وهو عالم رياضيات، و أوسكار مورجنسترنOskar Morgenstern  وهو عالم اقتصاد، والكتاب بعنوان: نظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي، وبذلك بدأ الاهتمام بالنظرية لمعالجة المشاكل الاقتصادية والإدارية المطروحة أمام متخذي القرار.

      تتلخص نظرية اللعب بوجود مباراة محددة أو مباراة لها هدف نهائي يسعى كل متنافس الوصول إليه، وهذا من خلال مراحل خاصة يتم اختيارها حسب قوانين وأسلوب المباراة، وعليه يمكن أن تقاس المباراة على مقياس كمي إذا كان الهدف يتمثل في الربح أو الخسارة، كما يمكن أن تقاس المباراة بالزمن أو المنفعة نتيجة لاستخدام الاستراتيجيات المتاحة لدى كل متنافس.

•       اللعبة الصفرية :

    سميت بمباراة ذات المجموع صفر لأن ربح أحد المتنافسين يساوي خسارة المتنافس الخصم، مما يعني أن : الربح + الخسارة = صفر، وأن اختيار معيار لحل مشكل قراري ما يتوقف كثيرا على توفر المعلومات، لكن المباراة عادة ما تفقد الكثير من المعلومات، ومن بين المعلومات صعوبة معرفة أو التنبؤ بتصرفات ونوايا المتنافس الخصم، لهذا فهذا النوع من المباراة قابل للتجسس، ونظرا لصعوبة مهمة التجسس كون المتنافسين كلاهما محاطا بالسرية التامة، فإن المعيار المحافظ عادة ما يعتبر أفضل معيار لحل مثل هذا النوع من المباراة.

•       اللعبة غير الصفرية :

تقوم أساسا على بناء التحالفات لضمان الأمن لأجل إيجاد صيغة توفيقية تضمن تحقيق المكاسب لكل الأطراف في ظل مساهمات كل طرف، وهذا ما يتضح خاصة في التعاون بين الدول، أو التحالفات بين الأحزاب السياسية.

    تعتبر نظرية المباريات أحد أساليب بحوث العمميات التي تستخدم في اتخاذ القرارات في ظل حالات ومواقف تتسم بالصراع والتنافس بين أطراف لها صفة الاستقلال.

ويعتبر العالم الفرنسي "إيميل بورال"  (Emil Borel)  رائدًا فيما يتعمق باستخدام أفكار نظرية المباريات حيث كان أول من طرح فكرة نظرية الألعاب في عام 1921، كما ساهم العالم الفرنسي " جون فون نيومان " (Jon Von Neuman) عام 1928، حيث قام بتطبيقها في عام 1933 عندما قام بدراسة وتحليل المشكلات الخاصة بالاحتكار الثنائي والمتعدد.1

هذا كما ساهم التطور الذي حدث في نموذج البرمجة الخطية عام 1291 في إحداث تطوير سريع وفعال في نظرية المباريات، حيث تم استخدام هذا النموذج في حل بعض المشكلات الخاصة بتطبيق هذه النظرية.

    تعرف على أنها عبارة عن أداة من الأدوات الرياضية تساهم بشكل كفء وفعال في حل المشكلات التي تواجه متَّخذي القرارات وذلك عند قيامهم بالبحث عن الإستراتيجيات التي سواء كانت استراتيجيات الخصم معروفة لديهم أو غير معروفة، وفي ضوء ذلك تهتم نظرية المباريات بإجراء تحليلات رياضية لاستراتيجيات اللاعبين في مواقف الصراع أو التنافس المختلفة وفق قواعد معروفة مسبقا تتمثل فيما يلي1:

- وجود عدد محدود من المشاركين في المباراة؛    

- يتاح لكل مشارك في المباراة عدد محدود من الإستراتيجيات؛

- تكون استراتيجيات الأطراف المشاركة في المباريات قابلة للتطبيق؛

- يوجد عائد معين لكل إستراتيجية مطبقة؛

- يعرف كل طرف مشترك في المباراة استراتيجيات الأطراف الأخرى المشاركة في هذه المباراة، لكنه لا يعرف ما يستخدم فيها.

-1 استخداماتها

إن تطبيقات نظرية الألعاب واسعة ومتعددة وقد أشرا صاحبي النظرية " فون نيومان" و"مورغنستين" بأن الأداة الفعالة لنظرية الألعاب يجب أن ترتبط ارتباط وثيق بعلم الاقتصاد ونظرية سلوك المستهلك، وتعتبر النماذج الاقتصادية وخصوصا نموذج اقتصاد السوق، سوق المنافسة الكاملة مكانا مثاليا لاختبار فرضيات نظرية الألعاب، بالإضافة إلى الاستعمال الكثيف لنظرية الألعاب في قسم بحوث العمليات الذي يخوض في مسائل تعظيم الأرباح وتخفيض التكاليف، كما ترتبط نظرية الألعاب ارتباطا وثيقا بعلم الاجتماع وتستخدمعلىنطاقواسعفيالسياسة.

كما استخدمت نظرية الألعاب في العلوم الاجتماعية، وفيالسلوكياتالسياسية والاجتماعية والنفسية.

2-أنواعالمباريات:

يمكن التمييز بين العديد من أنواع المباريات استنادا إلى بعض المعايير الأساسية وذلك كما يلي2:

-1 حسبعددالمشاركين: هناك نوعين من المباريات وفقا لعدد المتنافسين وهما:

- المباريات الثنائية؛

- المباريات متعددة الأطراف.

-2 حسبعددالإستراتيجياتالمعتمدة:يمكن التمييز بين نوعين أساسين من أنواع المباريات استنادا لعدد لعدد الإستراتيجيات المعتمدة، حيث قد تكون المباراة محددة، أو تكون غير محددة.

-3 حسبالحظأوالمهارةأوكليهمامعا: يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من المباريات استنادا إلى الحظ

أو المهارة أو كليهما معا وذلك كما يلي:

أ- مبارياتالحظ:تعتبر المباراة مباراة حظ إذا اعتمدت نتيجتها على هذا الحظ وحده دون وجود دخل للمهارة في تحديد هذه النتيجة، مثل: لعبة اليانصيب؛

ب-مبارياتالمهارة:تعتبر المباراة مباراة مهارة إذا اعتمدت نتيجتها على المهارة وحدها دون وجودللحظ في تحديد هذه النتيجة، مثل: الألعاب الرياضية الفردية؛

ج-مبارياتالحظوالمهارةمعا:تعتبر المباراة من مباريات الحظ والمهارة معا إذا مزجت بين كل من  الحظ والمهارة معا، مثل: عمليات التسويق والمعارك الحربية.

-4 حسبالنتيجةالنهائيةلها: يمكن التمييز بين نوعين من المباريات استنادا إلى النتيجة النهائية لها وذلك كما يلي:

أ- مبارياتصفريةالحصيلة:طبقا لهذا النوع من المباريات فإن النتيجة النهائية لها تتمثل في أن يكونالمجموع الجبري لمكسب وخسارة الطرفين يساوي الصفر، وبالتالي فإن مكسب أحد الأطراف يعد في نفس الوقت خسارة للطرف الآخر، حيث يسعى كل طرف من أطراف المباراة إلى تعظيم مكاسبه إلى أكبر قدر ممكن، أو تدنية¨ خسارته إلى أقل قدر ممكن، هذا ويتسم هذا النوع من المباريات بوجود المنافسة الشديدة بين الأطراف المتصارعة؛

ب-مبارياتغيرصفريةالحصيلة:طبقا لهذا النوع من المباريات يكون مكسب أحد الأطراف أكبر أو أقل من خسارة الطرف الآخر، وبالتالي فهو لا يُساويه.



1  محمد شلبي، المنهجية في التحليل السياسي: المفاهيم، المناهج، الإقترابات، الأدوات. الجزائر: دار هومة، 1997، ص87.

¨  كنا قد تناولنا بالشرح مفهوم مشاكل السياسة العامة وأسبقايتها وخصائصها في المحاضرة الخامسة من سلسلة المحاضرات المقررة في مقياس رسم السياسات وصنع القرار لطلبة السنة الثانية جذع مشترك علوم سياسية.

2  علي بن علال، " نماذج اتخاذ القرار في السياسة العامة"، متوفر على الرابط: https://bit.ly/3lrZsGw بتاريخ: 15/02/2023.

¨¨  هو أستاذ علم السياسة وكتب مؤلفه الرائع الذي ينطلق من بيئة عربية وإسلامية، خاصة وأنّ الواقع العلي يشير إلى نقص أو خلو المكتبة العربية من كتب متخصصة واسعة في هذا المجال.

1  فهمي خليفة الفهداوي، السياسةالعامة( منظور كلي في البنية والتحليل ). عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، 2001، 125.

2  بتصرف عن: فهمي خليفة الفهداوي، مرجع سابق، ص 126.

1  لزهر بن عيسى، « نشأة السياسة العامة »، محاضرات في مقياس تحليل السياسات العامة، محاضرات ألقيت على طلبة السنة الثانية ليسانس جذع مشترك علوم سياسية، الموسم الجامعي: 2012-2013، ص 23.

1  بتصرف عن: فهمي خليفة الفهداوي، مرجع سابق، ص 128.

1  علي بن علال، " نماذج اتخاذ القرار في السياسة العامة"، متوفر على الرابط: https://bit.ly/3lrZsGw بتاريخ: 15/02/2023.

2  برنامج الشراكات مع المجتمع المدني ، دليل تحليل السياسات. واشنطن: مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، 2016، ص ص 4-5.

3  فهمي خليفة الفهداوي، مرجع سابق، ص 130.

4  بتصرف عن: فهمي خليفة الفهداوي، مرجع سابق، ص ص 131-133.

1  علي بن علال، " نماذج اتخاذ القرار في السياسة العامة"، مرجع سابق.

 

1  بتصرف عن: فهمي خليفة الفهداوي، مرجع سابق، ص ص 136-140.

1  دنيا محمود، " تعريف نظرية الاحتمالات.. وأمثلة عليها"، متوفر على الرابط: bit.ly/458pwbc بتاريخ: 30/07/2023.

2  علي بن علال، " نماذج اتخاذ القرار في السياسة العامة"، مرجع سابق.

3  المرجع نفسه.

1  ] د، ص، م[، " المحاضرة الخامسة: نظرية المباريات (1)"، pdf، متوفر على الرابط: http://elearning.centre-univ-mila.dz › mod › view، جامعة ميلة، ص 01.

1  ] د، ص، م[، " المحاضرة الخامسة: نظرية المباريات (1)"، مرجع سابق.

2  المرجع نفسه.

¨  تدنية معناها تقليل.