Informations du cours
في مشروعية قيام علم اجتماع عربي
محاضرة من تأليفنا (اد عبد العالي دبلة)
قسم العلوم الاجتماعية .جامعة محمد خيضر بسكرة -الجزائر
السنة الجامعية 20023/2024
هل يمكن التكلم عن علم اجتماع عربي في عالم يتعولم يوما بعد يوم ،وماهي مشروعية هذا الطرح ،منذ السبعينات من القرن الماضي وعلماء الاجتماع العرب يدعون إلى إقامة وتأسيس علم اجتماع عربي ،انطلاقا من خصوصياتنا التاريخية والثقافية ولكن هذه الدعوة لم تحقق ما دعت إليه ،الأسباب عديدة ومتعددة منها ما هو ابستمولوجي وما هو سياسي وما هو ثقافي وما هو اجتماعي نفسي،ولكن في النهاية ونحن في العقد الثالث من الألفية الجديدة فان هذه الدعوة لم تتجسد على ارض الواقع وبقيت حلم يراود كل علماء العرب الذين عجزوا أن ينقلوا هذه الدعوة وهذا الحلم إلى مجال التجسيد والتأسيس.
لو نظرنا إلى خريطة علماء الاجتماع العرب لوجدنا قائمة طويلة جدا ومن مختلف التيارات الإيديولوجية ،سعد الدين ابراهيم والسيد الحسيني عبد الباسط عبد المعطي وعلي الطراح وخلدون حسن النقيب وشفيق الغبرة والطاهر لبيب وعبد الوهاب بوحديبة وعبد الباقي الهرماسي وسهيل الكاش و محمد شقرون ومختار الهراس وعلي الكنز وعبد الناصر جابي وعدي الهواري وعبد القادر جغلول واحمد سالم الاحمر و هشام شرابي وعلي الوردي و حيدر ابراهيم علي.كل هاته الطاقات العلمية التي يزخر بها الوطن العربي لم تستطع لحد الآن أن تنشا مدرسة عربية في علم الاجتماع لها نظرياتها ومناهجها الخاصة بها .وهذا يدعونا إلى القول أننا فعلا نجحنا في إنتاج علماء اجتماع عرب ولكن فشلنا في إنتاج علم اجتماع عربي. فلا الرجوع إلى ابن خلدون نجح ولا إلى الخصوصية الثقافية التاريخية نجحت ولا الرجوع إلى النظريات الغربية بمختلف أطيافها نجح .
أين الخلل؟ هل البداية خطأ،أم أننا لم نستطع أن نرقى إلى هذا المطلب ؟أم أن الدعوة في الأصل وفي البدء خاطئة بما أن المعرفة إنسانية لا دخل للدين أو القومية فيها وهي تتعدى الحدود والإيديولوجيات وخاصة في الوقت الراهن الذي يسيطر عليه خطاب العولمة.
إن الأغلبية العظمى من مشتغلي علم الاجتماع في الوطن العربي يعتقدون أن البحث السوسيولوجي في العالم العربي في أزمة ويشيرون إلى جوانب هذه الأزمة و أسبابها (Slaibi.2009.222.) ومن ابرز علماء الاجتماع العرب الذين أوضحوا ذلك "سعد الدين إبراهيم .( سعد الدين ابراهيم،1989 :346-350) وفقا له،فان زيادة عدد المؤسسات والباحثين والبحث في علم الاجتماع في العالم العربي شيء ونوعيته مختلفة تمامًا ويضيف"من النادر أن نجد إنتاجًا اجتماعيًا عربيًا يمكن أن يروي العطش لمن يسعون إلى فهم الواقع العربي المعاصر ، بشكل موضوعي ،شامل أو حتى جزئي ووفق سعد الدين إبراهيم فان أكثر من 80٪ من إنتاج مدرسي علم الاجتماع عبارة كتب أكاديمية تهدف إلى التدريس الطلاب مبادئ علم الاجتماع وفروعه وتاريخه ونظرياته،وتتميز معظم هذه الكتب :
-أن هؤلاء ينسبون إلى علم الاجتماع قدرات مبالغ فيها من حيث فهم الواقع الاجتماعي وعلاج المشاكل الاجتماعية.
-نجد في هذه الكتب القليل عن الواقع العربي سواء على مستوى الدول ، أو على مستوى الأمة العربية.و الأشياء القليلة التي نجدها في هذه الكتب عن الواقع العربي تبقى سطحية وجزئية ولا تستند إلى بيانات ميدانية معقولة.
-أن الأعمال السوسيولوجية في الفترة(1960-1985) أصيبت بما اسماه مرض" البدونة السوسيولوجية "فالمشتغلين في حقل علم الاجتماع منقسمون إلى قبائل كل منهم منح لنفسه اسم: المنظرون ،الامبيريقيون، الماركسيون الوظيفيون ،أنصار المدرسة الفرنسية،والمدرسة الانجليزية،أو الأمريكية آو السوفيتية.وأكثر من هذا فان هذه القبائل منقسمة بدورها إلى قبائل أو عشائر فرعية:الوظيفيون والوظيفيون الجدد، الماركسيون والماركسيون الجدد....الخ،وفوق هذا فان البدونة أصبحت "أفيون" علماء اجتماع العرب.
ويختتم سعد الدين هذا التشخيص العلمي الدقيق لأوضاع علم الاجتماع وعلماء الاجتماع العرب أن هذا الفائض من الطاقة والتفكير والخيال الاجتماعي ،كان من المفترض أن يستثمر في دراسة وفهم الواقع العربي ولكن للأسف الشديد تلاشت ومن هنا كان الضعف الشديد في إنتاج المعرفة السوسيولوجية بخصوص هذا الواقع.
لقد فشل علماء الاجتماع العرب في دراسة وفهم صيرورة تطور البنية الاجتماعية العربية،ولم يستطيعوا التنبؤ بمستقبل المجتمع العربي والغوص في عمق العلاقات الاجتماعية التي تحكم أفراده.وهذا ما دعا عالم الاجتماع سعد الدين أن يطرح التساؤل التالي: ماذا يحدث للمجتمع العربي إذ اختفى علماء الاجتماع فجأة من العالم العربي؟،"ثم يجيب هو بنفسه بالطبع لا يحدث شيئا للمجتمع العربي لا بالسلب ولا بالإيجاب، إذا اختفى علماء الاجتماع فجأة من العالم العربي.
إنها مفارقة عجيبة فكيف ندعو إلى أقامة علم اجتماع عربي انطلاقات من خصوصياتنا الثقافية التاريخية وفي نفس الوقت ننطلق من نظريات غربية الأصل والمنشأ ولن نوفق في إنتاج نظرية عربية في علم الاجتماع على غرار مدرسة شيكاغو ومدرسة فرانكفورت مدرسة أمريكا اللاتينية. ومدرسة التحديث..الخ.واللوم لا يقع على علماء الاجتماع العرب فقط ولكن نظامنا السياسي والاجتماعي والثقافي مسؤول أيضا عن هذه النتيجة التي توصل إليها سعد الدين إبراهيم .
ويؤكد هذا الطرح عالم الاجتماع احمد سالم الأحمر(الأحمر،1988 :8) أن تكوين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا العربية تفترض أساسًا وجود دراسات ميدانية مكثف وأسئلة ومشاكل الوطن العربي . وهذا ما هو غائب ،فعلم الاجتماع في العالم العربي كانت بدايته خاطئة ولم ينطلق من إشكاليات حقيقية نابعة من واقع العالم العربي ولم يكن الهدف منذ البداية إقامة دراسات علمية عميقة وأبحاث ميدانية واسعة النطاق وتخصص لها موارد مالية معتبرة لإنجاحها مثل ما حدث في الغرب (دراسات هاوثورن، الفلاح البولندي ،يانكي سيتي ،تحولات بلوزفيتز، أطفال في الشارع) حيث وصلت هذه الدراسات إلى نتائج مهمة أصبحت عالمية وليست محلية، أما عندنا فان اغلب الدراسات إن لم تكن كلها من اجل الحصول على الشهادة آو الترقية ، أما التمويل ودعم الأبحاث فهو غائب أصلا.
إن ألمانيا التي احتفلت بدفن آخر أمي في عهد بسمارك لم يفت في عضدها أن انهزمت في حربين عالميتين في اقل من ربع قرن وتوزعها المنتصرون أشلاء وقطعا أن تفرض اليوم هيبتها وتصدر إلى بعض منتصري الأمس بعض من خبرتها، لقد انهارت قوتها المادية ولكن قوة مؤسساتها العلمية ونظمها التربوية بقيت راسخة الجذور.فألمانيا هي أول دولة في العالم بنت الجامعة الحديثة ووضعت في مستهل القرن 19 مشروع إصلاح التعليم العالي المعروف باسم مشروع هامبولدت سنة 1806 الذي جعل من ألمانيا كما يقول hussen الربان الذي يقود السفينة والنغمة التي تكسب سيمفونية الثقافة الانسجام والتكامل (محمد العربي ولد خليفة،1989).فالذي حققته ألمانيا إذن رغم انهزامها في حربين عالميتين يرجع إلى أنها عرفت المصدر الحقيقي لقوة الشعوب والمتمثل في البحث العلمي.وهذا ما تعلمنا إياه التجربة اليابانية ، فاليابان انطلقت في نهضتها الحديثة بعد منتصف القرن 19 في عهد حكم الميجي في نفس اللحظة التي بدا فيها محمد علي النهضة والتحديث في مصر ، فأدركت اليابان أن التعليم والبحث هو مستقبلها وهو الكفيل بإيجاد مكان لها في المستقبل بين الدول المتقدمة وهذا ما تحقق بالفعل بعد عقود ليست بكثيرة وهي الآن في قمة التطور العلمي والتكنولوجي .فعظمة اليابان الحالية لم تأت من فراغ بل من استثمار حقيقي في البحث العلمي الحقيقي .
إن المسألية التي انطلقت منها العلوم الاجتماعية في الغرب واضحة ،ففي فرنسا تمحورت حول مصداقية لعلوم الاجتماعية الأكاديمية ،أما في ألمانيا فقد تمحورت حول مصداقية هذه العلوم في المجال الاقتصادي ،وفي انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية تمحورت حول المصداقية الاقتصادية والسياسية ،أما في الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية فان الفرضية انحصرت في المصداقية السياسية،أن جميع البلدان أدركت ما الذي تريده من العلوم الاجتماعية وطورت هذه العلوم مع ما ينسجم مع متطلباتها لذلك نراها متبلورة حاليا فيها.( فريديريك معتوق،1985: 263 ) .
كان من المفروض أن تكون الأزمات التي عرفتها شعوبنا وأوطاننا العربية والانتكاسات التي عشناها في جميع الميادين حافزا ودافعا قويا لنا لتجاوز هذه الوضعيات النقدية و كما يقول عالم الاجتماع ادغار موران "الأزمة هي المرحلة الحاسمة ، المنعرج في تشخيص الداء".(Morin .E.1984.140) . ولكن نحن للأسف لم نعرف هذه المرحلة الحاسمة وهذا المنعرج، بل تقبلنا الأمر وبقي خطابنا مجرد شعار يعزف في المناسبات وكلما دعت الحاجة إلى ذلك ،وشعوبنا استسلمت ولم تعد تفكر إلا في لقمة العيش.
لقد أوضح بيرنباوم أن أزمة العلم تنشا نتيجة عاملين ، الأول هو عجز النسق الفكري عن ملاحظة التغيرات المتلاحقة حتى تفقد المفاهيم والتصورات قدرتها على تفسير المواقف المختلفة ، أما العامل الثاني فهو جميع هذا النسق بسبب ضيق نطاقه وجمود مفاهيمه ومقولاته(جهينة سلطان العيسى والسيد الحسيني،1982 :31).
إننا حتى ألان لم ننجح في أقامة وطن عربي بل ما هو موجود عالم عربي ،لا توجد دولة عربية ليس لها مشكل حدود مع دولة عربية أخرى وقد أشار إلى ذلك عالم السياسة "بهجت قرني "في مقاله الممتاز "وافدة متغربة ولكنها باقية تناقضات الدولة القطرية العربية"(بهجت قرني،1987)،وحتى موضوع القومية العربية(فالح عبد الجبار،1995) الذي تم رفع لواءه لعقود طويلة ،هل فعلا توجد قومية عربية والعالم العربي مليء بالأقليات غير العربية التي لها لغتها وثقافتها غير العربية وقد حاول مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية أن ينبه إلى ذلك ولكن ما تعرض له رئيس المركز عالم الاجتماع "سعد الدين إبراهيم من سجن وتشريد يعكس عقلية الحاكم العربي.
فكيف في ظل هذه الظروف نتكلم عن علم اجتماع عربي ونحن لم نستطيع أن نحل كل إشكالاتنا ومشاكلنا التي عمرت طويلا السياسية وغير السياسية وحتى الرياضة لم تسلم من ذلك وكلنا يتذكر مباراة الجزائر ومصر المؤهلة لكاس العالم 2010حين كادت أن تتحول إلى حرب بين البلدين وحتى الدعوة إلى إقامة اتحادات جهوية مثل اتحاد المغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي واتحاد شمال إفريقيا وقبل كل هذا الوحدة بين مصر وسوريا، كل هذا كان ظرفيا ومسكنا والواقع يؤكد ذلك.
وفوق هذا فان كثير من علماء الاجتماع العرب يلقون باللوم على الغرب والاستعمار ونظرية المؤامرة ويلصقون بالغرب كل أخطائنا ومشاكلنا التي نحن فيها رغم أننا دخلنا مرحلة التخلف قبل أن يصل الغرب إلى ما وصل إليه من تقدم وتطور منذ أن أغلقنا باب الاجتهاد والتجديد وأصبحنا مجتمعات تعيش على ماض ولى ولم يعد، مجتمعات تراثية تقليدية عادت العقل والنقد .
وهذا ما يذهب إليه عالم الاجتماع المغربي محمد شقرون الذي يلوم الدول الغربية في أنها سعت لإبقاء العالم العربي في حالة تخلف(محمد شقرون،1986) ويذهب بهذا الطرح بعيدا عالم الاجتماع التونسي عبد الوهاب حفيظ(1884) في أن أزمة علم الاجتماع العربي تكمن في اعتمادها على علم الاجتماع الغربي والأوروبي بالتحديد،ويذكر الباحث في دراسته هذه مشروع "كاملوت "وكيف سعت الولايات المتحدة الأمريكية استخدام المخابرات وكيفية توجيه هذه البلدان مواردها المالية في مجال البحث في علم الاجتماع لخدمة مصالحها في هذه البلدان المتخلفة.
رغم كثرت علماء الاجتماع العرب الذين دعوا صراحة إلى إنشاء علم اجتماع عربي له خصوصيته ومواضيعه الخاصة ، فقد سعى آخرون إلى رفض هذه الفكرة مقدمين تبريرات موضوعية من بينها أن ما يكتب في هذا المجال عبارة عن نقل من الغرب وسرقات علمية من هنا وهناك وان ما يكتب أيضا هو عبارة عن كتب مدرسية موجهة إلى الطلاب وليس بحوث علمية رصينة تسعى إلى طرح إشكاليات حقيقية وتقديم إجابات لتساؤلات المثارة وحلول لمشاكلنا الاجتماعية ويمكن ذكر الباحث الكويتي ناجي مصطفى(ناجي مصطفى،1987)،والباحث الجزائري جمال الدين غريد(جمال الدين غريد، 2002)،احمد سالم الأحمر(الأحمر،1988) علي الكنز(الكنز،1986).
إن علم الاجتماع كمجال معرفي مثل غيره من العلوم يحتاج إلى بيئة خاصة حتى ينمو ويبدع هذه البيئة التي تتصدرها الحرية حرية الفكر والتعبير والتفكير ، وهي كلها غائبة عندنا في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج مع استثناءات بسيطة ،إن العلاقة بين السلطة الحاكمة والمثقف عموما كانت دائما متأزمة وقد تكون عدائية في بعض الأحيان والجسور دائما مقطوعة.لقد بادر مركز دراسات الوحدة العربية في ثمانينات القرن الماضي إلى تكليف مجموعة من الباحثين لدراسة علاقة المجتمع بالدولة في عالمنا العربي لعلنا نصل إلى طبيعة هذه العلاقة ومحتواها وصدرت على اثر ذلك المراجع التالية :
-المجتمع والدولة في المشرق العربي للدكتور غسان سلامة.
-المجتمع والدولة في المغرب العربي، للدكتور عبد الباقي الهر ماسي.
-المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية، للدكتور خلدون النقيب.
-تراث الدولة المركزية في مصر، للدكتور نزيه الأيوبي.
-المجتمع والدولة في الوطن العربي، للدكتور سعد الدين إبراهيم وآخرين.
إن هذا المجهود الضخم والمشروع العلمي المتميز ساهم بكل تأكيد في إجلاء طبيعة هذه العلاقة وسمح لنا بفهم أعمق لها ،النتيجة المتوصل إليها تكاد تكون واحدة في جميع جهات عالما العربي ، فالدولة هي المهيمنة والمتسلطة والسلطة المركزية الوحيدة ، بينما المجتمع بكل فئاته وطبقاته غائب عن مسرح الأحداث ودوره ثانوي وغير مؤثر ورغم بعض الأحداث والاحتجاجات التي أبدتها بعض الشعوب العربية والتي تم قمعها بشدة مثل حالة مصر ، تونس ، الجزائر،وحتى أحداث الربيع العربي الأخيرة التي كنا نعتقد أنها هي الأمل الذي انتظرته شعوبنا طويلا وهي بداية النهاية لأنظمة عمرت طويلا وهي بداية لمرحلة جديدة ، ولكن للأسف رجعنا إلى المربع الأول وفشلت المحاولة.
إن علم الاجتماع في الغرب تطور لتوفر الشروط الموضوعية من حرية وعدالة وتشجيع للبحث العلمي ، والسلطة السياسية في تناغم مع المفكرين والعلماء والعلم عموما ، ويمكن هنا أن تستدل بمثالين حتى نرى الفرق، حين حدثت أحداث ماي 1968 في فرنسا والتي دعمها الفيلسوف الفرنسي جون بوال سارتر كمثقف وعالم، اقترح احد مستشاري رئيس فرنسا في ذلك الوقت شارل دي غول أن يأمر بسجن سارتر لأنه من محرضي هذه الإضرابات فكان رد الرئيس الفرنسي في هذه العبارات المعبرة عن مكانة العلم والعلماء والتي سجلها التاريخ" لا يمكنني أن أمر بسجنه حتى لا يقول العالم أن فرنسا تسجن عقولها". وفي مقابل هذا نسرد ما حصل لعالم الاجتماع العربي سعد الدين إبراهيم عندما اشتق كلمة "الجملكية" في نقده لنظام مبارك الذي كان يسعى لتوريث ابنه جمال مبارك، تم سجنه واتهم بالعمالة والخيانة .الفرق واضح ،فكيف في مثل هذه الظروف يمكن أن نبدع ؟. فلا يمكن أن تنجح المهمة في مجتمع تقليدي تراثي ونظام حكم استبدادي مهيمن ونظام تعليمي فاشل.
على مشتغلي علم الاجتماع والمثقفين عموما في عالمنا العربي أن يقاوموا ويواصلوا المقاومة وان ينقلوا التنوير من النخبة إلى المجتمع يجب على علماء الاجتماع أن يعيدوا التفكير على غرار ما كتب عالم الاجتماع الفرنسي ألان توران(Touraine. A.2007) "لنفكر بطريقة مغايرة ".Penser Autrement .وان يستفيدوا من أخطاء الماضي لعلنا نستطيع في الأخير أن تكون لنا مدرسة عربية بعلم الاجتماع نابعة من قضايانا وإشكالاتنا المتعددة ومعبرة فعلا عن واقعنا الاجتماعي.
وإذا كان الرواد الأوائل من المفكرين العرب على مختلف توجهاتهم الإيديولوجية قد فشلوا في تحليل وبطريقة علمية الوضع التاريخي لمجتمعنا العربي، فان مهمتنا اليوم تتخلص ليس في الدعوة إلى إقامة علم اجتماع عربي بقدر ما نحتاج إلى إدراك أولا أوضاعنا المختلفة (سياسيا،اقتصاديا،اجتماعيا،وثقافيا) وتحليل هذه الوضعيات بمنطق علمي نقدي بعيد عن كل عاطفة أو تحيز وبعيد عن روح الانهزامية والسلبية والتسليم بالوضع القائم،وثانيا يجب أن نستفيد من أخطاء الماضي ونتطلع إلى المستقبل لكي نجد لنا مكان في خريطة الأمم المتطورة التي سبقتنا إلى الحداثة والتنوير العقلي .
خاتمة
لقد وصل بنا البحث إلا أن الدعوة إلى إقامة علم اجتماع عربي رغم مشروعيتها إلا أنها لم تكن مؤسسة ولم تستطيع أن تهيئ الشروط الموضوعية لتحقيق هذا الهدف ، لهذا كانت كل المحاولات والجهود النظرية والتبريرات التي قدمها علماء الاجتماع العربي مصيرها الفشل،فمنذ السبعينات من القرن الماضي أي نصف قرن من الجهد المبذول هنا وهناك في مختلف الأقطار العربية لم نستطع أن ننقل هذا الحلم إلى مرحلة التجسيد على ارض الواقع ، فلا الدعوة إلى إقامة علم اجتماع عربي ولا علم اجتماع إسلامي أو إسلامية المعرفة نجحت إن المشكلة معقدة ومتشابكة والأزمة التي يمر بها عالمنا العربي عميقة وتحتاج إلى حفريات عميقة على غرار حفريات ميشال فوكو للمعرفة ، وفهم أعمق لبنائنا الاجتماعي بمختلف أطيافه واثنياته والغوص أكثر في فهم العقل السياسي العربي رغم محاولة الجابري في هذا الإطار.لعلنا في الأخير نصل إلى الوصفة السحرية والترياق الفعال لحل كل مشاكلنا من القمة إلى القاعدة.
المراجع
-بهجت قرني (1987).وافدة، متغربة، و لكنها باقية : تناقضات الدولة العربية القطرية .مجلة المستقبل العربي( المجلد10 العدد105 نوفبر1987).
-فالح عبد الجبار (محرر).(1995).القومية مرض العصر ام خلاصه. بيروت .دار الساقي
-فريديريك معتوق(1985)علومنا الاجتماعية والمسالة المفقودة.مجلة الفكر العربي.العددان 37-38 جانفي –ماي .
احمد سالم الاحمر(1988) وضعية العلوم الاجتمعاية في الوطن العربي بين ازمتي الواقع والفكر.مجلة الوحدة.عدد50 نوفمبر 1988.
-جمال الدين غريد.(2002).الزرع الاشكالي للسوسيولوجيا في العالم العربي حالتا الجزائر ومصر.الملتقى الوطني علم الاجتماع والمجتمع في الجزائر.اية علاقات.4-5-6 ماي .وهران
.2002
-علي الكنز(1986) المسألة النظرية والسياسية لعلم اجتماع عربي. ندوة نحو علم اجتماع عربي: علم الاجتماع والمشكلات العربية الراهنة، سلسلة كتب المستقبل العـربي ) الطبعة الأولى، مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت، .
-عرابي عبد القادر، الهمالي عبد االله(1990)إشكالية علم الاجتماع واستخدامه في الجامعات العربيـة.المـستقبل العربي.بيروت السنة الثالثة عشرة، العدد ،141.
- ناجي مصطفى(1987)علم الاجتماع في العالم العربي بين المحلية والدولية. مجلة العلوم الاجتماعيـة، جامعـة الكويت، العدد 2صيف 1987 .
-عبد المعطي عبد الباسط،
»الصراع الإيديولوجي وإشكالية العلوم الاجتماعية في المجتمع العربي«، إشـكالية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي،
المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، دار التنوير للطباعـة
والنـشر،القاهرة، .1984
-عبد المعطي عبد الباسط،
»في استشراف مستقبل علم الاجتماع في الوطن العربي: بيان في التمرد والالتزام«،ندوة نحو علم اجتماع عربي: علم الاجتماع
والمشكلات العربية الراهنة، سلسلة كتب المستقبل العـربي ) الطبعة
الأولى، مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت، . 1986
-علي حيدر إبراهيم، »علم الاجتماع والصراع الأيديولوجي في المجتمع العربي«، ندوة نحو علـم اجتمـاع عربي:علم الاجتماع والمشكلات العربية الراهنة، سلسلة كتب المستقبل العـربي ) ،(7الطبعـة الأولى، مركـزدراسات الوحدة العربية، ص ،137-107بيروت، . 1986.
- سلطان العيسى جهينة والحسيني السيد، »علم الاجتماع والواقع العربي: دراسة لتصورات علماء الاجتمـاع العرب«؛ المستقبل العربي، السنة الخامسة، العدد ،07ص ،51-28بيروت، 1982 .
- شقرون محمد(1986)أزمة علم الاجتماع أم أزمة المجتمع«، ندوة نحو علم اجتماع عـربي: علـم الاجتمـاع والمشكلات العربية الراهنة، سلسلة كتب المستقبل العربي ) .بيروت الطبعة الأولى، مركز دراسات الوحدة العربيـة.
- حجازي محمد عزت(1986) الأزمة الراهنة لعلم الاجتماع في الوطن العربي«، ندوة نحو علم الاجتماع عـربي:علم الاجتماع والمشكلات العربية، سلسلة كتب المستقبل العربي. بيروت . مركز دراسـات الوحـدة العربية.
- 1إبراهيم سعد الدين(1986)تأمل الآفاق المستقبلية لعلم الاجتماع في الوطن العربي: من إثبات الوجود إلى تحقيق الوعود«، ندوة نحو علم اجتماع عربي: علم الاجتماع والمشكلات العربية الراهنة، سلسلة كتب المستقبل العربي بيروت. مركز دراسات الوحدة العربية
-عبد الوهاب حفيظ(1984).المجتمع العربي والتحدي التكنولوجي.مجلة الوحدة (عدد55 افريل 1984).
-عبد الوهاب بوحديبة.(1983) نحو علم اجتماع عربي.مجلة المستقبل العربي .عدد54 اوت1883.
-محمد أركون(1993)الفكر الإسلامي .ترجمة هاشم صالح.الجزائر المؤسسة الوطنية للكتاب.
محمد أركون(1998) قضايا في نقد العقل الديني - كيف نفهم الإسلام اليوم. ترجمة: هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، ط1، 1998م .
- محمد أركون(2001) معارك من اجل الانسنة في السياقات الإسلامية ترجمة: هاشم صالح، بيروت.دار الساقي.
-محمد أركون ولوي غارديه(2008)الإسلام الأمس والغد.ترجمة على المقلد .حلب .مركز الإنماء الحضاري.
-بول كيرتس(1998). الحرية العقلية والعقلانية والتوير .مجلةابن رشد.مجلة فصلية في الفكر والعلوم والاستشراف.الجزائر .مارينور للنشر(عدد1 .ماي جويلية).
تيموثي مادجان.ابن رشد و التنوير والتساؤل عن الحاجة الى مجتمع متنور. مجلةابن رشد.مجلة فصلية في الفكر والعلوم والاستشراف.الجزائر .مارينور للنشر(عدد1 .ماي جويلية).
-هشام شرابي(1990)النقد الحضاري للمجتمع العربي ونهاية القرن العشرين.بيروت .مركز دراسات الوحدة العربية.
- هشام شرابي(1987) البنية البطرياركية: بحث في المجتمع العربي المعاصر.بيروت .دار الطليعة.بيروت دار الطليعة .
-هشام شرابي(1991) مقدمات لدراسة المجتمع العربي.بيروت دار الطليعة .الطبعة الرابعة.
-هشام شرابي(1993)النظام الابوي واشكالية تخلف المجتمع العربي.بيروت .مركز دراسات الوحدة العربية.الطبعة 3.
-حليم بركات(2000) المجتمع العربي في القرن العشرين-بحث في تغير الاحوال والعلاقات.بيروت . مركز دراسات الوحدة العربية.الطبعة 1.
بريان ترنر(1981)ماركس ونهاية الاستشراق.ترجمة يزيد صايغ.بيروت.مؤسسة الابحاث العربية.
-محمد عابد الجابري(1992)العصبية والدولة معالم نظرية خلدونية في التاريخ الاسلامي.بيروت .مركز دراسات الوحدة العربية.
-عبد الغني مغربي(1988)الفكر الاجتماعي عند ابن خلدون.ترجمة محمد الشريف بن دالي حسين.الجزائر.ديوان المطبوعات الجامعية.
- محمد العربي ولد خليفة.( 1989) المهام الحضارية للمدرسة والجامعة الجزائرية .الجزائر .ديوان المطبوعات الجامعية .
-Touraine alain (2007).Penser Autrement.paris.Fayard.
Morin Edgar, «Pour une théorie de la crise», Sociologie, Fayard,Paris, 1984.
-Houaida Slaibi(2009)la recherche Sociologique dans le monde arabe.approche thematique et evaluation methodologique. Thèse De doctorat En Sociologie . Universite de Metz-France
- Enseignant: Abdellali Debla