مقدمة عامة حول المقياس
لعبت المراسلات دورا مهما في تسهيل حياة الناس قديما وحديثا، ولإن كان الأشخاص الطبيعيين (الأفراد) يستطيعون التواصل شفاهة، فإن الأشخاص الاعتبارية عموما والإدارة على وجه الخصوص صماء، لا تستطيع التعامل في مختلف نشاطاتها إلا من خلال الكتابة، سواء في علاقاتها مع الأفراد أو فيما بين فروعها أو مع غيرها من الأشخاص المعنوية.
وتقسم الكتابة إلى نوعين أساسيين، أما الأول منها فيطلق عليه تسمية الكتابة الإبداعية، على غرار الشعر والنثر، وله قواعده وجمالياته الخاصة، أما النوع الثاني، محل دراستنا فهو التحرير الإداري، ويطلق عليه تسمية الكتابة الإجرائية، والتي تتميز هي الأخرى بقواعدها وخصائصها من انتقاء للعبارات المفهومة والبسيطة والقانونية، وكذا تفردها بعنصر الاختصار واحترام السلم الوظيفي والتدرج الهرمي، فهي كتابة رسمية قد تكون عامة أو شخصية معبرة عن نشاط إداري ومقررة لمراكز قانونية على غرار منح الحقوق أو الحرمان منها.
فالأسلوب الإداري في الكتابة متميز عن الأسلوب الأدبي، من حيث التراكيب الترتيب الصيغ النتائج، والأهداف، كما أن الرسالة في الحياة المهنية تلبي حاجات التبليغ الأساسية، وهذا في شكل موضوعي وممنهج، دقيق ومعبر. لكل هذه الاعتبارات ومن أجل التحكم في كتابة الرسالة الإدارية، لابد من تكوين نظري متخصص في التحرير الإداري، يضاف إلى ذلك الخبرة المهنية التي تكسب الموظف وحتى المواطن معارف ، وذلك من خلال التعامل مع نماذج مختلفة ومتعددة من المحررات ونشير إلى أن تشعب مهام الإدارة وزيادة نشاطها يستلزم بالضرورة زيادة في المحررات الإدارية، غير أن هذا الأمر ترتب عليه مشكلة أساسية يطلق عليها"أزمة التوريق"، وما ارتبط بها من أعباء مالية مخصصة للطباعة ورسوم للمراسلات وأرشيف وموظفين، وهو ما دفع للبحث عن حلول لهذه الأزمة، حيث تم استغلال التكنولوجيا الحديثة والمعلوماتية في التوصل إلى سياسات لتوفير المال والوقت من خلال استحداث المحررات الإدارية الإلكترونية ولعل أبرز نموذج معبر عن هذا التوجه هو النموذج الياباني من خلال سياسة صفر ورق".
غير أن التعامل بالمحررات الإلكترونية لا يخلو كذلك من جملة من الإشكالات نشير إلى بعضها فيأتي على رأس هذه الإشكالات أن التحرير الإلكتروني يتطلب إضافة إلى ضرورة تمكن الموظف من تقنيات التحرير الإداري التقليدي، ضرورة تحكمه التقني في مجال المعلوماتية، إضافة إلى ضرورة حماية هذه المعلومات من القرصنة والاتلاف وغيرها من صور الاعتداء الالكتروني على المعلومات من خلال ما سبق نجد أن التحرير الإداري ضروري حتى في ظل الإدارة
الإلكترونية، فلا يمكن الاستغناء عنه، ذلك أن التغيير يتم فقط على مستوى نمط وقالب التعامل من إدارة ورقية إلى أخرى إلكترونية.
كما أن التزايد المستمر لنشاط الإدارة في حياتنا اليومية، يصاحبه زيادة معتبرة في المحررات، ذلك أن الإدارة تكتب ولا تتكلم، ومن ثم تظهر الحاجة الماسة لكيفية إنشاء هذه المحررات بشكل سليم وفعال، وهو ما توفره دراسة مقياس التحرير الإداري، ولعل المراجع المتوفرة بين أيدينا في هذا المجال تركز بشكل كبير علة الجوانب التطبيقية، بتقديم نماذج جاهزة الاستعمال، يمكن للموظفين محاكاتها من أجل إنشاء المحررات الإدارية المطلوبة، غير أننا نؤكد على أهمية الاطلاع على الجوانب النظرية قبل التطبيقية، حتى يتسنى لكل محرر إنشاء محرراته حتى في ظل عدم وجود نموذج جاهز يؤطر موضوع محرره، وهذا من خلال فهم ماهية المحرر وخصائصه ومراحل إنجازه، وغير ذلك من العناصر المتصلة بالتحرير الإداري، فهذا الأمر حسب تقديرنا المتواضع، ضروري بذات القدر مع المكتسبات التطبيقية.