مقدمة عامة حول المادة
لقد سبق لطالب السنة الثانية من التعليم القاعدي أن اطلع في مقرر السنة الأولى وبالضبط في مادة المجتمع الدولي وبالتحديد في محور الفاعلين الجدد في المجتمع الدولي على الوضع القانوني للفرد في المجتمع الدولي، أن للفرد وضع الشخص الدولي، فهو يتمتع بمركز قانوني لا يقل أهمية عن المركز القانوني الذي يتمتع به أشخاص المجتمع الدولي وذلك من خلال الاهتمام المتزايد بموضوع حقوق الإنسان وحمايتها.
لقد اهتمت جميع الحضارات والمذاهب الإنسانية والأديان بحقوق الإنسان منذ ظهور المجتمعات البشرية، وتطورت في كنفها عبر الزمان والمكان، فحقوق الإنسان هي نتاج التجربة الإنسانية على مر العصور، من اجل المساواة والحرية والعدالة، ومع ذلك فان التطور الأهم لحقوق الإنسان كان مع نشأة الدولة باعتبارها الطرف الرئيس على المستويين الدولي والداخلي في علاقاتها مع الأفراد المشكلين لمجموع كتلتها السكانية.
إن ارتباط حقوق الإنسان بالدولة ظهورا وتطورا، انتهاكا وحماية، لم يعمر طويلا فكان لزاما تدويلها، بعدما أصبحت الدول المتهم الأول بالاعتداء على حقوق مواطنيها، حيث غدت حقوق الإنسان بعد هذا التدويل المحرك الرئيس للعلاقات الدولية، بالخصوص بعد تزايد الاهتمام بالفرد من قبل القانون الدولي. وقد أدى ذلك إلى ظهور فرع جديد من فروع القانون الدولي العام هو قانون حقوق الإنسان.
إن الحديث عن القواعد التي تحكم العلاقات بين الدولة والفرد يقودنا للحديث عن القانون الدولي لحقوق الإنسان، أي عن جملة من القواعد القانونية الحديثة من حيث التكوين والمفاهيم العامة. ومن ثم نحن بصدد قانون غير منضبط بحدود معينة، إذ لا يوجد فيه على سبيل المثال ذلك التسلسل الهرمي أو السلم القانوني الذي يتجسد بشكل صريح في القانون الداخلي.
غير أن ذلك لا يعني عدم وجوده وعدم تمتع قواعده بالصفة القانونية، فمن خلال نظرة بسيطة للحقوق والحريات التي يتمتع بها الفرد في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية...، تظهر لنا مجموعة القواعد القانونية العرفية والاتفاقية التي تنص على حقوق الإنسان، وتبين الآليات التي بواسطتها يتم حماية وضمان هذه الحقوق.
ونتيجة للدور المتعاظم الذي يؤديه القانون الدولي لحقوق الإنسان في مراقبة مدى تطبيق الدول لمبادئ حقوق الإنسان من خلال الضمانات التي يوفرها لحماية الأشخاص من سلطة دولهم ومن الظلم والتعسف والتجاوزات، أولته الدول العناية المطلوبة التي تتناسب والأهمية والدور الذي يؤديه، فأنشأت المراكز العلمية المتخصصة لتدريسه ومراكز البحوث والجمعيات العلمية، وأصدرت المجلات والنشرات الدورية بهدف فهم أحكامه وتوضيحها، وجعله أيسر منالا وأكثر انتشارا وفهما.
وأسوة بذلك، أدرجت الجامعة الجزائرية منذ إنشائها مادة قانون حقوق الإنسان ضمن المواد المقررة في مرحلة الليسانس بكليات الحقوق والعلوم السياسية في مرحلة الليسانس والدراسات العليا المتخصصة.
هذا، وتتوقف الدراسة القانونية الأكاديمية لقانون حقوق الإنسان أساسا على مدخل عام (الفصل الأول) نحدد فيه مفهومها وتطورها، ثم الحماية المقررة لها(الفصل الثاني).
وفي سبيل تبسيط مكونات هذه المادة المعرفية وتقريبها من أذهان طلبة السنة الثانية من التعليم القاعدي أضع بين أيديهم هذه المطبوعة. مع الإشارة إلى أنها لا تغنيهم عن الاستعانة بمختلف المراجع العربية والأجنبية حتى يتيسر لهم تنمية معارفهم القانونية واثبات ذواتهم.