Annonces
شعرية عربية
قسم اللغة والأدب العربي ــــــــ 2019/2020
المقياس : شعرية عربية
المستوى : السنة الثانية دراسات أدبية
عنوان المحاضرة : مفهوم الشعرية عند أدونيس :
1 . انفتاح النص وتناسل المعنى :
يعد أدونيس من الشعراء النقاد الحداثيين الذين دعوا إلى انفتاح النص الشعري ، مبررا دعوته بمجموعة من الأدلة والبراهين التي استقاها من واقع تجربته الإبداعية ، حيث نجده يؤكد على انفلات النص الشعري من قيد القواعد والمقاييس الجاهزة في قوله : ( الشعر خرق للقواعد والمقاييس ...)، ويضيف أن الشعر يتجاوز الأيديولوجيا التي لا تستطيع أن تحيط بأبعاده ، وهو بذلك يحاول أن يؤسس لاستقلالية القصيدة ، تجاوزها لمختلف التيارات والمذاهب ، فالقصيدة التي تنتمي إلى شيء ما – مهما كانت طبيعة هذا الشيء – هي قصيدة محكوم عليها بالفشل في القاموس النقدي ، لأن الشعر في مفهومه هو أسمى من الأيديولوجيات والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ...
إذا النقد الجديد عند أدونيس يؤكد على استقلالية النص عن أي أيديولوجية .
2 . الغموض :
العملية الإبداعية ككل هي عملية غامضة إلى حد التعقيد ، فالشاعر مبدع لكنه أسوء من يفسر الكتابة الشعرية ، فكل من كتب عن الشعر كان يعرف أنه يطارد حيوانا خرافيا لا يمسك ...
إن هذا الكائن الخرافي الجميل هو مجهول لدى القراء والشعراء ، فالشاعر المبدع حينما يطرح عليه سؤال الإبداع نجده يتلكأ ، فلا يملك الجواب سوى الحيرة والدهشة ذلك أن مسألة التفكير في القصيدة مسألة غامضة .
انطلاقا من هذه الرواية فإن أدونيس يعترف بشرعية الغموض في الشعر ، وهذا ما عبر عنه في قوله : ( إني ضد الوضوح الذي يجعل من القصيدة سطحا لا عمقا ، إني كذلك ضد الإبهام الذي يجعل من القصيدة كهفا مغلقا، إن الزهرة إذا أكملت تفتحها تبهج لكنها لا تغري ، الشيء الذي يوضح لن يعد يحتوي إلا الوضوح ...)
ومهما يكن من أمر فإن الغموض عند أدونيس هو حلة وجسد يأوي إليهما الروح الشعري بوصفه مجموعة من المعارف والعلوم كقوله :
ذات يوم
تصير القصائد بوابة المدينة
نحو أرض الغرابة
وتصير الغرابة وطن الأنبياء
ذات يوم
تسير النجوم على الأرض مثل النساء
3 . الفجائية والدهشة :
الفجائية هي خاصية فنية في النص الشعري ، وحضورها في النص يعني حضورا آخرا هو المتلقي الذي يستجيب لفجائية النص ، وهذا ما يدعوه أدونيس بالإثارة ، علما أن المشابهة من الشعر لا يقوى على إرضاء تلك الحاسة الجمالية للمتلقي ، فموت القصيدة يعلق في اللحظة التي تتفطن فيها تلك الحاسة لهذا التشابه ( التذكر) ولعل هذا ما جعل أدونيس يلح على فكرة التخلص من الذاكرة في عملية الكتابة الشعرية ، فالفجائية إذا هي فعل من الملقي يقابله رد فعل من الملقي هو الإثارة ، والعلاقة بينهما هي علاقة العلة بالمعلول .
4 . الاختلاف :
الاختلاف هو المغايرة مع القديم ، وتأتي مقولة الاختلاف عند أدونيس في مقدمة المقولات النظرية في التأسيس لعالم الشعرية ، فأدونيس يرفض العيش تحت سلطة الخضوع والانصياع لما هو ثابت ، فهو ضد الجمود ... فالجمال في الشعر يتحقق من خلال نبذ العادة أو الاختلاف عن السائد ، مادامت الحداثة قد ألغت كلية محاكاة النموذج أو المثال : ( جوهر القصيدة في اختلافها لا في ائتلافها ...)
5 . الرؤيا ( التخييل ) :
يقصد أدونيس بالرؤيا ، أي القوة التي تطل على الغيب وتعانقه فيما تنغرس في الحضور فتصبح القصيدة جسرا يربط بين الحاضر والمستقبل والأبدية .
بهذا الفهم تتحول القصيدة الكلية إلى قصيدة تروي لنا قصة الحداثي في اعتناقه للمجهول ، وأدونيس يتخذ من الرؤيا أو الحلم أداة حداثية للكشف عن أغوار المجهول ، لأن الحلم يفكك الواقع إلى عناصره الأولية ، ويعيد تركيبه على نحو لا يخضع فيه إلى قوانين الواقع الخارجي متجاوزا معطياته ملتحما بالعوالم الميتافيزيقية ،كقول أدونيس في قصيدة ( قصائد لا تنتهي) :
ياقصة تسير بي دربها
إلى فضاء الزمن الأول
ما أنت إلا حلم مبدع
للزمن المقبل
تهدر في صدر أسرار
يبين لي في الذي لا يبين
6 . حركية الزمن الشعري :
يؤسس أدونيس مفهومه للزمن الشعري على نقد الثابت في التجربة الشعرية القديمة ، لأن الزمن في هذه التجربة هو زمن قدري ، وهو ليس بعدا داخليا في الأشياء يخلقها ويغنيها ، بل هو قدر خارجي يفسد الحياة ، أما النظرة الجديدة هي الخروج من قدر الطبيعة والدخول في إرادة الإنسان ، هي الخروج من الثبات إلى التحول ، هي الخروج من الصراعات والتناقضات الذهنية ، والدخول في عالم الصراعات والتناقضات الحياتية ، هي الإيمان بأن الإنسان قادر على تغيير نفسه والعالم معا.
فأدونيس يقسم الزمن الشعري إلى زمنين ، زمن خارجي هو زمن التقليد ، وزمن داخلي هو زمن التجربة الشعرية في شكلها الحداثي ، الزمن الأول هو زمن الانقياد والزمن الثاني هو زمن التحرر أو الهروب .
د. عبد الحميد جودي