Annonces

شعرية عربية

 
Avatar Abdelhamid Djoudi
شعرية عربية
par Abdelhamid Djoudi, mardi 9 juin 2020, 10:59
 

قسم اللغة والأدب العربي   ــــــــ 2019/2020

المقياس : شعرية عربية

 المستوى : السنة الثانية دراسات أدبية

عنوان المحاضرة : مفهوم الشعرية عند أدونيس :

1 . انفتاح النص وتناسل المعنى :

 يعد أدونيس من الشعراء النقاد الحداثيين الذين دعوا إلى انفتاح النص الشعري ، مبررا دعوته بمجموعة من الأدلة والبراهين التي استقاها من واقع تجربته الإبداعية ، حيث نجده يؤكد على انفلات النص الشعري من قيد القواعد والمقاييس الجاهزة في قوله : ( الشعر خرق للقواعد والمقاييس ...)، ويضيف أن الشعر يتجاوز الأيديولوجيا التي لا تستطيع أن تحيط بأبعاده ، وهو بذلك يحاول أن يؤسس لاستقلالية القصيدة ، تجاوزها لمختلف التيارات والمذاهب ، فالقصيدة التي تنتمي إلى شيء ما – مهما كانت طبيعة هذا الشيء – هي قصيدة محكوم عليها بالفشل في القاموس النقدي ، لأن الشعر في مفهومه هو أسمى من الأيديولوجيات والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ...

إذا النقد الجديد عند أدونيس يؤكد على استقلالية النص عن أي أيديولوجية . 

2 . الغموض :

العملية الإبداعية ككل هي عملية غامضة إلى حد التعقيد ، فالشاعر مبدع لكنه أسوء من يفسر الكتابة الشعرية ، فكل من كتب عن الشعر كان يعرف أنه يطارد حيوانا خرافيا لا يمسك ...

إن هذا الكائن الخرافي الجميل هو مجهول لدى القراء والشعراء ، فالشاعر المبدع حينما يطرح عليه سؤال الإبداع نجده يتلكأ ، فلا يملك الجواب سوى الحيرة والدهشة ذلك أن مسألة التفكير في القصيدة مسألة غامضة .

انطلاقا من هذه الرواية فإن أدونيس يعترف بشرعية الغموض في الشعر ، وهذا ما عبر عنه في قوله : ( إني ضد الوضوح الذي يجعل من القصيدة سطحا لا عمقا ، إني كذلك ضد الإبهام الذي يجعل من القصيدة كهفا مغلقا، إن الزهرة إذا أكملت تفتحها تبهج لكنها لا تغري ، الشيء الذي يوضح لن يعد يحتوي إلا الوضوح ...)

ومهما يكن من أمر فإن الغموض عند أدونيس هو حلة وجسد يأوي إليهما الروح الشعري بوصفه مجموعة من المعارف والعلوم كقوله :

ذات يوم 

تصير القصائد بوابة المدينة 

نحو أرض الغرابة 

وتصير الغرابة وطن الأنبياء

ذات يوم 

تسير النجوم على الأرض مثل النساء

3 . الفجائية والدهشة :

الفجائية هي خاصية فنية في النص الشعري ، وحضورها في النص يعني حضورا آخرا هو المتلقي الذي يستجيب لفجائية النص ، وهذا ما يدعوه أدونيس بالإثارة ، علما أن المشابهة من الشعر لا يقوى على إرضاء تلك الحاسة الجمالية للمتلقي ، فموت القصيدة يعلق في اللحظة التي تتفطن فيها تلك الحاسة لهذا التشابه ( التذكر) ولعل هذا ما جعل أدونيس يلح على فكرة التخلص من الذاكرة في عملية الكتابة الشعرية ، فالفجائية إذا هي فعل من الملقي يقابله رد فعل من الملقي هو الإثارة ، والعلاقة بينهما هي علاقة العلة بالمعلول .

4 . الاختلاف :

الاختلاف هو المغايرة مع القديم ، وتأتي مقولة الاختلاف عند أدونيس في مقدمة المقولات النظرية في التأسيس لعالم الشعرية ، فأدونيس يرفض العيش تحت سلطة الخضوع والانصياع  لما هو ثابت ، فهو ضد الجمود ... فالجمال في الشعر  يتحقق من خلال نبذ العادة أو الاختلاف عن السائد ، مادامت الحداثة قد ألغت كلية محاكاة النموذج أو المثال : ( جوهر القصيدة  في اختلافها لا في ائتلافها ...)

5 . الرؤيا ( التخييل ) :

يقصد أدونيس بالرؤيا ، أي القوة التي تطل على الغيب وتعانقه فيما تنغرس في الحضور فتصبح القصيدة جسرا يربط بين الحاضر والمستقبل والأبدية .

بهذا الفهم تتحول القصيدة الكلية إلى قصيدة تروي لنا قصة الحداثي في اعتناقه للمجهول ، وأدونيس يتخذ من الرؤيا أو الحلم أداة حداثية للكشف عن أغوار المجهول ، لأن الحلم يفكك الواقع إلى عناصره الأولية ، ويعيد تركيبه على نحو لا يخضع فيه إلى قوانين الواقع الخارجي متجاوزا معطياته ملتحما بالعوالم الميتافيزيقية ،كقول أدونيس في قصيدة ( قصائد لا تنتهي) :

ياقصة تسير بي دربها 

إلى فضاء الزمن الأول

ما أنت إلا حلم مبدع 

للزمن المقبل 

تهدر في صدر أسرار 

يبين لي في الذي لا يبين

6 . حركية الزمن الشعري :

يؤسس أدونيس مفهومه للزمن الشعري على نقد الثابت في التجربة الشعرية القديمة ، لأن الزمن في هذه التجربة هو زمن قدري ، وهو ليس بعدا داخليا في الأشياء يخلقها ويغنيها ، بل  هو قدر خارجي يفسد الحياة ، أما النظرة الجديدة هي الخروج من قدر الطبيعة والدخول في إرادة الإنسان ، هي الخروج من الثبات إلى التحول ، هي الخروج من الصراعات والتناقضات الذهنية ، والدخول في عالم الصراعات والتناقضات الحياتية ، هي الإيمان بأن الإنسان قادر على تغيير نفسه والعالم معا.

فأدونيس يقسم الزمن الشعري إلى زمنين ، زمن خارجي هو زمن التقليد ، وزمن داخلي هو زمن التجربة الشعرية في شكلها الحداثي ، الزمن الأول هو زمن الانقياد والزمن الثاني هو زمن التحرر أو الهروب .





د. عبد الحميد جودي